جمال سلطان
ما الذي تهدف إليه حملة علشان تبنيها ولمن تتوجه ؟
أعلن القائمون على حملة "علشان تبنيها" عن وصول عدد التوقيعات التي حصلوا عليها من مواطنين إلى قرابة اثني عشر مليون توقيعا ، كلها تدعو الرئيس عبد الفتاح السيسي للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليواصل "إنجازاته" حسب ما تقوله الحملة ، والتي أكدت أنها مستمرة في نشاطها ، دون أن توضح ما هو الرقم الذي تريد أن تصل إليه ، وكانت قد أعلنت قبل شهرين عن وصولها إلى ثلاثة ملايين توقيع ، الأمر الذي أثار سخرية شعبية واسعة من ضعف الرقم ، فكان النشاط الجديد الذي وصل بها إلى 12 مليونا .
هذه حملة غامضة جدا من الناحية الإدارية ومن الناحية القانونية ، فلا ندري بالضبط من هم القائمون عليها من الناحية التنظيمية ، وما هي هيكلها الإداري الذي يفترض أنه هيكل كبير وضخم وممتد عبر محافظات الجمهورية من الاسكندرية إلى أسوان ، ومن العريش إلى مطروح ، نعرف بعض الأسماء القليلة لكنا لا نعرف شيئا عن قيادة هذه الحركة وخلاياها وشبكاتها عبر المحافظات ، وهو أمر غريب في ظروف بلد يعتبر مثل هذا التحرك خروجا على الأمن والقانون ويستوجب إجهاضه في مهده وتوقيف أصحابه .
الأمر الآخر وهو الوضع القانوني لهذه الحركة ، فهي تنظيم غير شرعي وغير قانوني وأسس على خلاف القانون ، وتلك جريمة صريحة يحاكم بنصها عشرات الصحفيين والإعلاميين والنشطاء والسياسيين وغيرهم ، فلا أعرف كيف تم "تكييف" الوضع القانون لهذا التنظيم وتلك الخلايا وهؤلاء العناصر ، وما هي التوجيهات التي تصدر للمؤسسة الأمنية بكافة فروعها لغض النظر عنهم وعن ملاحقتهم باعتبار أن ما يقومون به هو أمر غير شرعي وخارج إطار القانون .
بطبيعة الحال كل هذه النقاط "افتراضات" خيال كاتب سياسي ، يفترض أن البلاد تعيش في ظل قانون ونظام ومؤسسات ودولة ، ولكن واقع الأمر ما يعرفه الكافة وأكد عليه رئيس الدولة نفسه بأنها "شبه دولة" ، وفي أشباه الدول يمكن تصور أن يحدث مثل هذه التناقضات والعجائب ، بل تجد أدوات الدولة الرسمية تتعاون مع تلك العناصر المجهولة وغير القانونية لتدعيم حركتها وتهدد من يعترضها أو حتى يمتنع عن التوقيع ، وتتم ملاحقته أمنيا أو إداريا سواء كان موظفا أو مدرسا أو جامعيا أو تاجرا في أي موقع تملك الدولة سلطة تأديبه بشكل مباشر .
السؤال الأهم هنا ، لماذا تحرص الجهة المعنية في الدولة على هذا النشاط العجيب ، وهل نما إلى علمها أن السيسي رافض أن يترشح أو أنه قرر أن يترك رئاسة الجمهورية طوعا في يونيو المقبل وبالتالي يطالبه قطاع من الشعب بالتراجع عن قراره ، وطالما أن الجميع سيذهب في النهاية إلى صناديق الانتخابات ، ويقول رأيه ، ويختار ما يختاره ، فما الذي يزعج رئاسة الجمهورية وأنصارها الرسميين وغير الرسميين ، ما الذي يخيفهم من الانتخابات ، وما الذي يضطرهم إلى كل هذا المجهود العجيب والمهين لشكل السلطة ووضع رئيس الجمهورية نفسه ، فضلا عن إحراج وإهانة الهيئة الوطنية للانتخابات ، لأنها يفترض أن تتدخل لوقف هذه المهزلة المتعلقة بانتخابات الرئاسة ، ثم يبقى التساؤل الأخير ، إذا كان الرئيس وأنصاره يجمعون هذه التوقيعات من المواطنين "الناخبين" المفترضين ، فلمن يوجهونها ، ما هي الجهة التي يقصدونها بتوجيه تلك "الرسالة" ، والمؤكد ـ حسب منطق الأمور ـ أنها ليست الشعب ، لأنهم يجمعون التوقيعات من الشعب نفسه ، فلمن توجه هذه الرسالة ، وهل هناك من يعوق فكرة ترشح السيسي مرة أخرى للرئاسة ، هل المسألة حاليا محل شك أو مطروحة للنقاش أو إعادة نظر من أي جهة ؟ .
الأجواء العامة في مصر شديدة الغموض ، والأسئلة المطروحة أكثر من الإجابات المتاحة ، والناس في حيرة ، وهناك يقين غائب بالمستقبل المحتمل ، وهي حالة مربكة للدولة ومؤسساتها وأجهزتها وللشعب نفسه بكل طوائفه وقواه الحية والصامتة ، هذه حالة غير مسبوقة في مصر ، على الأقل في الجيل الحالي .