محمود سلطان
أين الإنسان عند القوميين والإسلاميين؟!
عندما تتحدث عن جدل العلاقة بين "الإنسان" والدولة"، فإنك ستواجه مشكلة مع القوميين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى.
ومفهوم الدولة يختلف عند الاثنين.. فهي عند القوميين الدولة الوطنية، في نسخة ما بعد الاستقلال، محددة بالحدود التي أقرتها الاتفاقات الدولية، وعند الإسلاميين هي "الخلافة".. في طبعتها القديمة، وبنزعتها التوسعية.. دولة بلا أفق جغرافي.. بلا حدود.. تعتمد على الغزو والاستيلاء على الأراضي والتمدد الجغرافي.
وتحدثتُ في مقال سابق، عن خطورة مفهوم "الدولة" على هذا النحو عند الإسلاميين المعاصرين.. فهو مشروع توسعي يتصادم مع النظام الدولي، ولعل ذلك ما أفقدهم أي تعاطف إنساني من قبل العالم، وهم يسحقون تحت البيادات الميري والخشنة.
عند القوميين، فإن الدولة (وعادة ما تكون مجسدة في ذات الرئيس)، مقدمة على الإنسان.. وإذا تعارضت الأولى مع الثاني.. فإنه لا رادع لارتكاب الجرائم والمذابح والمجازر من أجل "تثبيت الدولة ـ تثبيت الرئيس" بالغراء على العرش.
الغاية هنا .. هي الدولة والأخيرة تُختزل في الرئيس.. فتُرتكب الانتهاكات على ناطق واسع، وربما تحظى بغطاء شعبي، خُدع بالإعلام التعبوي، فتخرج المظاهرات المؤيدة للمذابح والجرائم.. "خوفًا" على "الدولة" من التفكك، وتأييدًا لـ"رامبو ـ الرئيس الفلتة"، الذي يواجه "مؤامرات كونية"، تستهدف "تفكيك الدولة"!
والغاية عند الإسلاميين هي "الخلافة"، والتي تعتبر ـ بمفهوم النظام الدولي الجديد ـ مشروعًا سياسيًا يضمر نزعة عدوانية تجاه العالم.. هذا الحلم بطوباويته، دفع الإسلاميين صوب تأسيس تنظيمات "موازية ـ بديلة" عن الدولة الوطنية (التي أسسها الاستعمار على أنقاض آخر خلافة إسلامية).. وبمضي الوقت بتراكم الصعوبات أمام تحقيق حلم الخلافة، بات التنظيم (جماعة المسلمين) مقدمًا على الإنسان، وإذا تعارض الأخير مع الأول، لن يجد "الأمير ـ المرشد" أية صعوبة في استدعاء فتاوى الردة والقتل والتصفية الجسدية والمعنوية، للاقتصاص من هذا "العبد التنظيمي" الآبق عن طاعة سيده "الأمير ـ المرشد".
القوميون يعتبرون الإنسان "المواطن" المعارض، تهديدًا خطيرًا للأمن القومي "أمن الرئيس".. وعلى استقرار الدولة "كرسي الرئيس".. والإسلاميون يعتبرون "العضو ـ الإنسان" الذي يعارض أو ينتقد أو ينشق أو يناقش أو يفكر، داخل تنظيم (الجماعة) أو خارجها، يمثل تهديدًا خطيرًا على المشروع الإسلامي وعلى حلم الخلافة.. والتي تتجسد في الخليفة المؤقت (الأمير ـ المرشد).
الإنسان في الأولى أو الثانية محض رقم، لا وجود له إلا بالعيش ذليلاً محتقرًا جائعًا مريضًا جاهلًا تحت الأحذية الباريسية لباشاوات ولصوص الدولة القومية.. أو منزوع العقل أسيرًا وجاهلًا مستسلمًا لمشروع الرق التنظيمي.. إنها مأساة الإنسان العربي ومحنته الحقيقية.
وللحديث بقية