الأخبار
رفعت رشاد
حريات - في الحرب فوائد
الأقوياء يفعلون ما يريدون فعله ، أما الضعاف فيعانون مما ليس منه بد. ومقياس القوة هو الحرب ، فلا يمكن الادعاء بأن دولة أقوي من أخري بمبرر أنها تملك كميات أكبر من السلاح. محك ومعيار القوة الحرب. والحرب كما يقول كلاوزفيتز امتداد للسياسة بوسائل أخري ، أي أن جولة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انتصرت لكون القدس عربية وهزمت قرار الرئيس الأمريكي ما هي إلا جولة من جولات حرب أو صراع بين قوي تريد كل منها فرض إرادتها علي الآخرين.
والحرب ليست شرا كاملا كما قد يعتقد البعض ، إنما قد يبث بعض الحكام في نفوس شعوبهم الخوف من الحرب لأسباب ما مثلما حدث بالفعل في مصر تمهيدا لمعاهدة السلام مع إسرائيل وبعدها وهو ما يعتبر خطرا علي ذهنية الأمة وعقيدتها المقاومة. أخطر شئ يصيب الأمة أن تهزم من الداخل ، الخطورة ليست في هزيمة دولة من خارجها ، إنما هزيمتها من داخلها بأن يقع شعبها في الإحباط واليأس وأن تسود بين مواطنيها ثقافة الطريق المسدود وثقافة أن الهزيمة واقعة لا محالة وأما النصر فهو بعيد المنال. لكن مشاعر الخوف واليأس لا تبعد شبح الحرب ، فهي تعبير أصيل عن نزعة الصراع في جوهر البشر بما يصاحبها من سفك دماء الغير والاستحواذ علي ما يملكه ، لذلك هي أقدم ظاهرة عرفها التاريخ ، وإن جري في عصور لاحقة تبريرها وتسويقها بأغطية تمنحها المشروعية.
كانت الحرب في زمن القبائل بمثابة قوة إنتاج في مجتمعات تعاني شظف العيش وكان الاستيلاء علي مقدرات القبائل الأخري وما تملكه من متاع وعتاد أمرا تقره الأعراف السائدة وقتذاك ، بل كان ذلك وسيلة لتحقيق المجد بما تتضمنه من إثبات التفوق العرقي لجنس أو قومية ما وتدوين بطولات ترددها الأساطير. أما في العصور الوسطي فقد تبلور الغطاء الأيديولوجي من الدين سواء كان ذلك من المجتمع الشرقي الإسلامي أو المجتمع الغربي المسيحي ، وفي العصور الحديثة جري تبرير الاستعمار الغربي بتحضير بلدان الشرق المتخلف. أي أن الدوافع الحقيقية للحرب تختلف تماما عن أسبابها المعلنة من قبل الذين شنوها. ولدينا في حروبنا المعاصرة في المنطقة العربية نماذج عديدة لمثل هذه الوقائع منها الحرب الأمريكية علي العراق التي تعد مثالا صارخا للكذب والتبرير بعدما ثبت مؤخرا عدم وجود أي سبب مما أعلنته أمريكا من مبررات لضرب العراق وتدمير بنيته في كل المجالات. ومؤخرا كان الهدف تدمير سوريا بحجج مماثلة لتلك التي تم خلالها تدمير العراق ولكن مساندة روسيا لسوريا منعت تدميرها.
يري بعض المفكرين ومنهم هاوكنج أن العداونية التي تسبب الحرب وتصاحبها ربما تكون قد شفرت في جزيئات الحامض النووي لكل منا منذ الماضي السحيق حين كان أجدادنا يسكنون المغارات والكهوف ، ورغم حدوث التغيرات البيولوجية في الإنسان منذ ملايين السنين ، إلا أن قدرته علي التدمير والفتك تزايدت بوتيرة متصاعدة مع تطور النظم المعلوماتية خلال القرن العشرين.
ويمكن القول إن الحرب حالة الطبيعة في الصراع علي الكرة الأرضية والإنسان جزء لا يتجزأ من هذه الطبيعة وهو ما يؤدي إلي عدم استمرار السلام لأن تناقض المصالح بين الأفراد والمجتمعات والدول يقود إلي الصدام ، فالمواجهة ، ثم الصراع لكي يسود في النهاية الأقوي. ومن الصعب أن يتخلص الإنسان نهائيا من ظاهرة الحرب لكي يتحقق السلام ويسود ربوع الأرض مادام هناك تمايزات بين المجتمعات والدول. والأديان السماوية والوضعية تحض تابعيها علي الحرب والدفاع عن أنفسهم وبعضها يحرض علي تدمير العدو. ومصر لم تكن علي مدي تاريخها الأطول بين الحضارات ودول العالم بادئة بالعدوان لكنها كانت في حرص دائم للدفاع عن شعبها وعلينا أن نستمر في يقظتنا متنبهين لما يدور حولنا. ويقول تعالي : » كتب عليكم القتال وهو كره لكم »‬.. كما يقول : »‬ وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم »‬.
الحرب تعبير عن إرادة القوة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف