الوفد
د. محمود السقا
دموع عند الفجر الوليد
ويلتقى فى تراب الخلود.. المسيحى مع المسلم، كلمات يكتبها الحب العظيم، أبد الآبدين ودهر الداهرين «إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين»
كان الفجر الوليد يعلن مولده فى موكب إلهى، وكانت أجراس الكنائس فى ربوع البلاد تدق دقات حزينة.. تجاوبت مع أذان المؤذن فوق مئذنة المسجد الإبراهيمى الكبير، وكان سكان الإسكندرية مدينة الأحلام نائمين على أمل استقبال يوم جديد بل عام جديد، سبحت له طيور الليل المهاجرة إليه من أقصى الجنوب صوب الشمال.
ونسمات البحر العظيم قد هبت رقراقة تكتب كتاب عشق وكأنها تردد صدى كلمات جميلة رقراقة: والعندليب الصداح كان يغنى أغنية الكروان:
يا نسيماً حيانا بطيب
ما الذى تحمل من عطر الحبيب؟
الكون كله.. بدأ يلبس لباس عُرس مولد عام جديد، عام مضى بآماله وآلامه، بفرح وترح، وكانت همسات ذلك الليل الرطيب تبشر ببشرى الميلاد الجديد.
يوم وليلة غراء:
يوم أغر يكفيك منه أنه
يوم كأن الدهر فيه تجمعا
وبدأت شمس النهار تطل على الكون، أيها الملاح قم شد القلوع..
ظهر الصباح جميلاً عبقاً..
وعلى نور الصباح، وبهجة الكون كان كل حبيب ينادى حبيبه، والحب أبقى والحب خالد..
ويا حبيبى كل من فى الكون
ناداك حبيبى
فاصحو يا ابن الذكريات والأمل الرطيب
أنت نشوان على صدرى تميل
وأنا السابح فى الحلم الجميل
الحب الحياة، والحياة الحب، عش جميلاً ترى الوجود جميلاً
وإذا أظلك رأسك هم
خفف البحث فيه كى لا يطولا
<<<
وهكذا كانت بشرى السماء لسكان الأرض فى استقبال الأمل والحب والسعادة هى عنوان كل «آت مع الكون جديد».
وفى هذا الجو المعبق بكل آيات الحب والسعادة والجمال.. كانت هناك يد آثمة ملطخة بدم الخطيئة.. يد عاشت منذ ظلام النفس البشرية فى متاهات الوجود القديم، كانت عمياء خرساء، لفها الظلم والظلام وامتد فى غدر لا يعرفه بنو البشر منذ الخطيئة الأولى التى بدأت بها البشرية: حينما «قتل قابيل أخاه هابيل» ومنذ ذلك الوقت «بدأ الدم يستصرخ الدم».
وكان الشيطان فى أعماق ذلك المجهول، الذى أتى بجريمة لعنتها الأرض والسماء وانقلب موكب البهجة.. إلى سواد وحداد.. كانت الدموع التى ما زال بريق الأمل يراودها ويناجيها على خدود العام الجديد، انقلبت إلى قلوب انفطرت وأم فقدت - يوم المولد - وليدها، وخطيب عاش فى الأمل يوم عرسه، وحبيب كان فى شوق إلى لقاء حبيبه، لفهم فى «لحظة الغدر ثياب الموت الأثيم».
أى لعنة تصب على الفاعل ومن مهد له طريق الإثم والجحود والألم، وليعلم أن «الحب لا يموت، وأن صوت مؤذن الفجر سيظل يتردد صداه عبر القرون والقرون.. ويلتقى فى موكب السماء مع دقات أجراس الكنيسة.. الحب لا يموت، ومصر خالدة بأبنائها»، وتذوب دقات القلوب معلنة تلك الكلمات التى صنعتها السنون ناصعة بيضاء.. تعاليم الإسلام بالرحمة فى قلوبنا، وتعاليم المسيح فى أعماقنا.
<<<
وشاهدنا الخالد تلك اللحظات التاريخية وهى تردد «لقاء المسيحى مع المسلم فى موكب الوطنية الكبرى فى ثورة مصر الخالدة ثورة 1919» ورصاص الإنجليزى لم يفرق بين «دم مسلم أو مسيحى» كلاهما عانق الموت كما يعانق دائماً الحياة لتثبت بنات مصر شجرة باسقة أصلها ثابت وفروعها فى السماء.
<<<
متضامنون على الجهاد فما ترى
إلا مسيحياً يؤازر مسلماً
هش المقدس للمؤذن داعياً
وحنى الهلال على الصليب وسلما
ومثل لقاء الموت كان لقاء الحياة:
«نموت نموت وتحيا مصر»..
وإلى جنة الخلود.. يا شهداء مصر، وعلى ضفاف البحر المتوسط.. وبهمة قادرة، لن تفرق الأخ عن أخيه والصاحب والوالد والولد.. تراب مصر يجمعنا وهو بنا عطوف رحيم.
وسوف يلقى القاتل الجبان ومن وراءه جزاءه حتى لو كان فوق الجبال الراسيات أو رهن الحفر.
الحب لا يموت أبداً، ولقاء الخلود يجمع الحبيبين: مسلماً كان أو مسيجياً وتلك حكمة العام الجديد.. يرددها أبداً.. أبداً لسان الزمن الجميل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف