الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
خواطر مصري
تطورت الحياة السياسية في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين بظهور احزاب عدة سواء كانت منشقة عن حزب الوفد مثل الأحرار السعديين أو الكتلة الوفدية أو بأحزاب جديدة مثل مصر الفتاة. كان القاسم المشترك بينها جميعا هو المناداة باستقلال البلاد وطرد الانجليز وخلال هذه الفترة تجري الانتخابات ويشكل الحكومة الحزب الفائز بالأغلبية وذلك وفقا لدستور 1923 وجرت محاولات عدة لتخفيف تواجد الانجليز وسيطرتهم علي البلاد منها تصريح 28 فبراير 1922 أو مفاوضات 1936 إلا أن الاستقلال التام لم يتحقق لأسباب منها: رغبة الانجليز في ان تتخلي مصر عن السودان وتنفصل عنه وقال بعض السياسيين ان السودان كان الصخرة التي تتحطم عليها مفاوضات الجلاء عن مصر مع الانجليز. بقيام ثورة يوليو 1952 انتهت الحياة الحزبية في مصر بل سقطت تماما واصبح لا وجود لها علي أرض الواقع. وكان لابد من ملء الفراغ الذي حدث في الحياة السياسية المصرية فأنشأت الثورة هيئة التحرير لتكون المعبر عن افكار واهداف الثورة. ثم تطورت الي الاتحاد القومي الذي يمثل نظام الحزب الواحد ويشكل عقل المصريين ويوجههم ويملأ فراغ حياتهم السياسية وبفشل الوحدة مع سوريا نشأ الاتحاد الاشتراكي ليكون امتدادا لنظام الحزب الواحد وكانت تجري الانتخابات علي اساس ان الحق في الترشيح يكون لكل من ينتمي للاتحاد الاشتراكي او من لم ينتم له حتي كانت هزيمة 1967 فكان من بين ما اطلقوه من أسباب الهزيمة: تواجد من اطلق عليهم الثورة المضادة داخل مجلس الامة فتفتق ذهن القائمين علي الامر ومن يلوذ بهم الي انشاء التنظيم الطليعي داخل الاتحاد الاشتراكي لاجراء انتخابات عضوية مجلس الامة خالية ممن لم ينتم الي هذا التنظيم أو الي أعضاء الاتحاد الاشتراكي.
ظلت الحال كذلك حتي أنشأ الرئيس محمد أنورالسادات ما سمي بالمنابر الا انها تنشأ من داخل الاتحاد الاشتراكي وذلك في سنة 1974 تحولت الي احزاب سياسية في سنة 1976 وكان الحزب الوحيد الذي نشأ من خارج الاتحاد الاشتراكي هو حزب الوفد الجديد بصدور حكم قضائي. اجريت الانتخابات علي ضوء ذلك الا ان الحزب الوطني اطلق عليه حزب الحكومة ولم يقل احد انه حزب الاغلبية علي خلاف ما يجب ان يكون في دولة تتعدد فيها الأحزاب. كانت الحكومة تتشكل جميعها من أعضاء الحزب الوطني. واستمرت الحياة السياسية علي هذا النحو.. تجري الانتخابات فيفوز الحزب الوطني بالاغلبية ويقوم بتشكيل الحكومة ورغم ذلك لم يطلق عليه قط حزب الاغلبية انما اطلق عليه بين الناس حزب الحكومة اقتناعا منهم ان الحكومة هي التي تسعي بطريق ما الي مرور الانتخابات بالصورة التي يريدونها حتي يأتي الي مجلس الشعب ويمرر من ينعم برضا السلطات عليه لانصياعه تحت رايتها ويمرر رضاها بلا توقف ومناقشة. ورغم القرارات التي اصدرتها لجنة شئون الاحزاب بمجلس الشوري أو الاحكام التي صدرت بانشاء أحزاب. الا أن الحكومة كانت
هي صاحبة الكلمة العليا في مرور الافراد الي بوابة البرلمان بغرفتيه. ومن ثم لم تنشأ معارضة حقيقية في البلاد يمكن ان يعتمد عليها في مراقبة الاداء الحكومي وتوجيهه كما لم يمكن ان نتحدث عن حزب اغلبية تجاوره احزاب معارضة من شأنها ان تفصح عن نظام ديمقراطي كما نراه في النظم الغربية.
قامت ثورة 25 يناير. وما انتهت اليها من فوضي الاحزاب التي لا رؤية لها يمكن ان تناقشها الجماهير. وتؤمن بها او تعارضها. ولم تخرج عن كونها تجمعات لمرفهي الحديث ومدعي الثقافة دون برامج تنير العقول وتشعل الافكار وتسعي الي وضع خطط حقيقية للنهوض بمستوي الوطن والمواطن لرفعتها معا وانما اقتصرت علي تواجد اصحاب ثقافة مضغ الكلام والتشدق بتعبيرات ضخمة ولكنها فارغة من مضمون مفيد أو هدف محدد يتحدثون عن الكادحين بلا تخطيط وبلا برامج تصلح للتطبيق.
يتنقلون من فضائية الي اخري يتشدقون بالالفاظ الرنانة.. ويملأون الجو هتافا بحياة النفاق ومعسول الكلام دون ان يتقي الله احد منهم في مصر وشعبها وبلا هدف سوي الا يفوتهم نصيب من كعكة يريدون اقتسامها بلا شرف او ضمير حتي وصلنا الي الحالة التي نحن عليها الان وهي خلو البلاد من حزب يحدد مبادئه القابلة للتطبيق خالية من الوهم والمسكنات تلتف حوله الجماهير ساعية الي التكاتف والترابط بعيدا عن المهاترات والتشرذم والانقسامات الخطيرة التي تهيئ الجو لاعداء البلاد والمتربصين بها للانقضاض عليها. نحن في حاجة الي تأليف حزب من طراز الاحزاب القوية التي نسمع عنها في بلاد الغرب الديمقراطي يعمل علي بناء الوطن تراقبه معارضة وطنية مخلصة لا هم لها الا النجاح في نهضة هذا الوطن بعيدا عن العنتريات التي ما بنت عشا ولا اقامت جدارا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف