الجمهورية
صلاح عطية
حول العالم - انتصارات مصرية.. وبلطجة أمريكية
هل يمكن لكل من شاهد افتتاحات السبت الماضي علي ضفاف قناة السويس.. وتحت مياهها.. وعلي سطحها.. إلا أن يزداد ثقة في مستقبل هذا الوطن.. وقدرته علي اجتياز كل الصعوبات.. ومواجهة كل التحديات.. والانتصار علي كل المؤامرات؟!
هذا وطن يصنع قائده المعجزات.. مع أبنائه العاملين في صمت.. يبني وينجز.. ويسابق الزمن.. وفي نفس الوقت يحارب علي امتداد تراب الوطن إرهاباً يصدر إليه من الخارج.. ويتشعب في الداخل.. ومؤامرات تصدر إليه من قوي كبري.. وقوي اقليمية.. والجميع يتآمر.. والمخلصون هنا والشرفاء من أبناء مصر يواصلون ليلهم بنهارهم في البناء.. أما الجماعة الإرهابية وأذنابها وعملاؤها.. فهؤلاء ماتت ضمائرهم.. وعُميت قلوبهم وأبصارهم.. فلم يعودوا يرون الإنجاز تلو الإنجاز.. وأصبح نجاح الوطن يؤلمهم.. ولا علاج لهؤلاء فسيموتون بغيظهم.. ومصيرهم إلي مزبلة التاريخ.. التي تتسع لكل خائن وعميل..
¼ هنا في مصر.. تتحقق انتصارات مصرية.. ولكننا أيضاً تابعنا.. ونواجه أيضاً بلطجة أمريكية..
فقد تعلقت أبصارنا جميعاً بشاشات التليفزيون نتابع كلمات الدول في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة.. التي نقلت إليها مصر. المعركة ضد قرار الرئيس الأمريكي ترامب.. بمنحه القدس عاصمة لإسرائيل.. وعد من لا يملك لمن لا يستحق.. وسمعنا بمهزلة تهديدات مندوبة أمريكا بقيدها لأسماء الدول التي ستصوت علي القرار.. وسمعنا قبلها كلمات ترامب بحرمان الدول المؤيدة للقرار في الأمم المتحدة من المساعدات الأمريكية.. ولكن هذا كله لم يكن له اعتبار عند من آثر أن يقف إلي جوار الحق.. والشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكلها تؤكد الحق الفلسطيني..
وفشلت أمريكا.. وتهديداتها وبلطجتها.. وكانت كلمات مندوب فنزويلا في ختام بيانه الذي ألقاه نيابة عن دول عدم الانحياز: "نحن لسنا للبيع".. والتي كررها ثلاث مرات.. كلمات معبرة عن رفض المجتمع الدولي للبلطجة الأمريكية.. التي بدت في تهديدات لا تليق بدولة تحترم نفسها.. ولا بمنظمة تطل منها علي العالم كله.. الذي أقلقه أن تصل أمريكا إلي تهديد العالم كله من أجل إسرائيل..
ووقوف أمريكا إلي جانب إسرائيل التي لم يكن الحق في جانبها في أي قرار صدر من الأمم المتحدة.. ليس بجديد.. وسيستمر مادامت أمريكا صاحبة قرارها فيما يختص بإسرائيل.. إسرائيل نفسها ولدت بقرار ثم تم تمريره من الأمم المتحدة بفضل تهديدات أمريكا.. وابتزازاتها للدول من أجل اصدار قرار تقسيم فلسطين في عام 1947.. وعطلت أمريكا التصويت عدة أيام عن موعده حتي تضمن تماماً إسكات الأصوات المعارضة.. وتضم الأصوات المترددة أو غير المنحازة.. وفعلت المستحيل من تهديد وترغيب وابتزاز.. وبحثت هي والصهيونية العالمية في ملفات كل الدول ومندوبيها.. حتي تعثر علي نقاط الضعف لتنفذ منها إليها.. لكي تضمن تصويته لقرار التقسيم..
وقد عقدت هذه الجلسة في اليوم المشئوم 29 نوفمبر 1947.. وقبل أن يأتي هذا اليوم استطاعت الصهيونية العالمية وأمريكا. ممارسة كل ألوان الضغط والابتزاز والرشوة حتي تغير مواقف كل من عارض أو كل من شكت في تغيير موقفه..
فعلي سبيل المثال.. كان مندوب الفلبين في الأمم المتحدة. الجنرال كارلوس رومولو قد امتنع عن التصويت في اللجنة الخاصة لعدم تلقيه تعليمات من حكومته.. ثم وقف في اجتماع الجمعية العامة ليعلن أن التعليمات وصلته بعدم التصويت لصالح قرار التصويت.. ولم يكتف بهذا.. بل ألقي خطاباً هاجم فيه التقسيم بشدة.. وقال ان حل مشكلة يهود أوروبا المشردين لا يمكن أن يكون عن طريق اقامة دولة يهودية في فلسطين..
وبعد فترة وجيزة من القائه هذا الخطاب تلقي تعليمات بالعودة فوراً إلي بلاده.. وجاء المندوب الذي خلفه ليعطي صوته للتقسيم طبقاً للتعليمات التي تلقاها في اللحظات الأخيرة في صالح التقسيم.. ماذا حدث لتغير الفلبين موقفها؟.
اتضح فيما بعد ان سفير الفلبين في واشنطن اتصل تليفونياً برئيس جمهوريته وأبلغه تصميم الولايات المتحدة علي تقسيم فلسطين لاقامة دولة لليهود فيها.. ونبهه إلي أن أمام الكونجرس الأمريكي سبعة مشاريع بقوانين سوف تستفيد الفلبين من اقرارها.. وان أمريكا ستسحبها لو صوتت الفلبين ضد التقسيم.. في نفس الوقت وقع 26 شيخاً أمريكياً برقية مشتركة وجهوها إلي وفود 13 دولة ترتبط مصالحها بأمريكا يطالبونهم فيها بتأييد التقسيم.. وكانت نتيجة هذه البرقية إلي جانب الفلبين. تحول 4 دول إلي جانب قرار التقسيم وإلي امتناع سبع دول أخري عن التصويت. وكانت قد عارضت التقسيم وصوتت ضده من قبل باللجنة الخاصة.. ووفد ليبيريا الذي كان قد صوت مع الدول العربية عند التقسيم في اللجنة الخاصة. تغير موقفه تماماً في الجمعية العامة.. وصوت للتقسيم.. واتضح أن الاقتصادي الأمريكي الصهيوني روبرت فانان. قد هدد مندوب ليبيريا بمحاربة بلاده اقتصادياً عن طريق صديقه ستيتينيوس وزير خارجية أمريكا الأسبق والذي كان يشرف علي مشاريع اقتصادية ضخمة في ليبيريا.. ومع ان مندوب ليبيريا قد احتج رسمياً لدي وزارة الخارجية الأمريكية علي هذا التهديد.. إلا أن بلاده أعطت صوتها لمشروع التقسيم.. واتضح بعد ذلك أيضاً ان حكومة ليبيريا تعرضت لضغط آخر من هارفي فايرستون. صاحب مزارع المطاط الكبري في ليبيريا..
أما مندوب سيام الذي كان قد صوت ضد التقسيم في اللجنة الخاصة. أبلغته سفارة بلاده في واشنطن ان حكومته قد ألغت أوراق اعتماده القديمة.. ولم تصله أوراق جديدة.. إلا بعد أن حجب صوت سيام المعارض.
مندوب هايتي كان قد عارض قرار التقسيم بشدة في اللجنة الخاصة.. ولكنه أعطي صوته في يوم 29 نوفمبر.. واتضح أن المحامي الأمريكي أدولف بيرلي المستشار القانوني لحكومة هايتي. كان قد اتصل برئيس جمهورية هايتي.. واستطاع تغيير موقفه.
مندوب فرنسا أيضاً. كلف بالاتصال بها برنارد باروخ الصديق الشخصي للرئيس الأمريكي هاري ترومان وتولي لفت نظرهم إلي أن امتناعهم عن تأييد قرار التقسيم قد يؤدي إلي حرمانهم من الاستفادة من مشروع مارشال الأمريكي الذي كانت فرنسا في حاجة ماسة إليه في تلك الأيام.
دول أمريكا اللاتينية. تكفل بالاتصال ببعثاتها الدبلوماسية. دافيد نايلز. مستشار الرئيس الأمريكي لشئون الأقليات. وربط بين موافقة بلادهم علي قرار تقسيم فلسطين وبين موافقة الحكومة الأمريكية علي مشروع كبير لاقامة شبكة طرق تربط القارتين الأمريكيتين.. وكان المشروع موضع بحث.. وكانت دول أمريكا الجنوبية تنتظر إقراره ليسهم في تنميتها..
واتضح ان عدداً آخر من كبار الأمريكيين الرسميين أو المقربين من الرسميين. ومنهم أرملة الرئيس السابق روزفلت. والقاضي جوزيفبروسكار. ورجل الأعمال ادوارد جاكوبسون الشريك السابق للرئيس هاري ترومان. كل هؤلاء وغيرهم قاموا باتصالات تحمل طابع التهديد الصريح مع ممثلي مختلف الحكومات أعضاء الأمم المتحدة.. وقد وصف هذه الاتصالات جيمس فورستال وزير الحربية الأمريكية في ذلك الوقت بأنها كانت قريبة جداً من درجة الفضائح.. وقد سجل هذا في مذكرته التي نشرت في عام 1950..
هكذا عرف العالم هذا الانقلاب الكلي الذي حدث عند التصويت علي قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947.. عرف الدسائس والمؤامرات ووسائل التهديد والترغيب والضغط والإرهاب التي لجأت إليها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والدوائر الصهيونية لإكراه مختلف الدول علي تغيير مواقفها. والتي خالفت كل مباديء الشرف والأخلاق في سبيل تحقيق انتصار للصهيونية العالمية وإقرار مشروع تقسيم فلسطين.. الذي منح اليهود دولة علي أرض اغتصبوها من أصحاب الأرض الأصليين.. وخصص للفلسطينيين أصحاب الأرض مساحة أقل من أرضهم.. وأقام منطقة دولية تضم القدس وبعض الأراضي المحيطة بها..ولكن العالم في 1947 غير العالم بعد سبعين سنة.. وأعضاء الأمم المتحدة تضاعفوا أربع مرات.. ورغم ضغط أمريكا وتهديداتها في الأسبوع الماضي.. فإنها لم تفلح في إيقاف المشروع.. وإن كان كل ما أفلحت فيه هو زيادة عدد الممتنعين عن التصويت.. والذين أعربوا جميعهم وبعد امتناعهم عن التصويت انهم يقفون مع الحق الفلسطيني ويؤيدون بقاء القدس إلي المرحلة النهائية من المفاوضات حول حل الدولتين.. أفلحت أيضاً أمريكا في جعل البعض ممن خانوا تهديداتها إلي مغادرة القاعة عندما بدأ التصويت ليهربوا من ابداء رأيهم.. ومع هذا نجحت مصر والدول العربية. والدول الصديقة. وكل من رأي الحق في جانب فلسطين أن يهزموا التهديدات والبلطجة الأمريكية ليفوز القرار بأغلبية الثلثين المطلوب.. وبقي علي أمريكا أن تحتفل بهزيمتها مع من امتنع عن التصويت أو هرب منه في حفل عشاء تقيمه لهم مندوبة أمريكا عقب احتفالات رأس السنة.. أي ان الرشوة تقلصت إلي حفل عشاء.. ولكن يبقي العقاب الأمريكي الموعود.. وسنري كيف تستطيع أمريكا أن تطبقه بالمخالفة لكل مصالحها.. ولكل ارتباطاتها الدولية.. من أجل عيون إسرائيل واللوبي الصهيوني.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف