محمد السيد عيد
الوصل والفصل - عزيمة الرجال
في رأيي أن عبد الناصر كان محظوظاً بمجموعة بالشعراء الغنائيين الذين عاصروه، لأنهم سجلوا كل الأعمال العظيمة التي قام بها، كما سجلوا نضال الشعب المصري في عصرهم بصورة عبقرية. هل ننسي أغنية حكاية شعب التي سجل فيها أحمد شفيق كامل حكاية تأميم القناة وحرب السويس وبناء السد ؟ هل ننسي أغاني صلاح جاهين الذي قال عند تحويل مجري النيل أثناء بناء السد : علي راس بستان الاشتراكيه / واقفين بنهندس ع الميه / عُلما وعمال / ومعانا جمال / بنغني غنوه فرايحية ؟ والذي كتب أغنية بالأحضان مشيداً فيها بعمال مصر : نور عيني وحبايبي / وعزاز اوي علي قلبي / ياللي علي الجرار وقصاد لهاليب الصلب / يا سواعد عربية ونفوس حرة أبية / يحميكم وتدوم الهمة ويحيا الشعب ؟. وعبد الفتاح مصطفي صاحب أغنية طوف وشوف : شوف حاضر بلادي / شوف كنوز الثورة فيها والمواهب والأيادي / اللي بيهم سدنا يعلا وفيض الله يزيد / يزحفوا بالميه تخلق م العدم عالم جديد / يكشفوا سر الصحاري / يصهروا عزم الحديد / يوصلوا الدنيا بقنالنا من هنا من بور سعيد ؟
خطر في بالي هذا وأنا أشاهد لحظة خروج الحفار العملاق من الأرض بعد انتهاء حفر أحد الأنفاق التي تربط بين شرق وغرب القناة. أحسست فعلاً أننا نحتاج إلي أحمد شفيق كامل، وصلاح جاهين، وعبد الفتاح مصطفي، وغيرهم من المبدعين، ليسجلوا للأجيال القادمة ما يفعله المصريون في هذه الأيام، خصوصاً في منطقة القناة.
إن هذه الأنفاق الجديدة ليست مجرد مشروع كأي مشروع، إنها نقلة نوعية ستغير من طبيعة العلاقة بين سيناء وبقية أجزاء الوطن. إنها السبيل لتعمير سيناء، لأنها ستتيح للمصريين الانتقال إلي هذه البقعة الغالية من أرض الوطن، والسبيل لتحقيق الأمن لها ولمصر، فلا أمن لسيناء أو لمصر دون أن نزرع سيناء بالبشر.
بدأ الكلام عن ربط سيناء ببقية الوطن بعد نصر أكتوبر 73، لكننا اكتفينا بنفق واحد هو نفق الشهيد أحمد حمدي، حتي جاء السيسي فقرر إنشاء ستة أنفاق مرة واحدة، ثلاثة في الإسماعيلية ومثلها في بور سعيد، والأهم من هذا أنه تم إنجازها في وقت قياسي، وستمر السيارات في أربعة منها بعد ستة أشهر من الآن.
ومن الأشياء التي تستحق أن نقف عندها ونحن نتحدث عن هذه الأنفاق أن مصر اشترت معدات الحفر العملاقة، ودربت أبناءها علي تشغيلها. لقد كانت مشروعات الحفر في باطن الأرض تتم عادة عن طريق شركات أجنبية، مثلما حدث في مترو الأنفاق، لكن منذ الآن لن يحدث هذا، فقد امتلكنا الآلات والخبرة، لذلك كان طبيعياً أن يقول السيسي إن هذه الماكينات ستعمل فوراً في مشروعات أخري. وقد قرأت أن الشركة الألمانية بعد أن رأت مهارة المصريين في حفر هذه الأنفاق قررت أن تجعل مصر وكيلاً لها في المنطقة. ألا يستحق هذا أن نحيي الرجال المصريين عليه ؟ وأن نحيي السيسي الذي قرر أن يكون المشروع بأيدٍ مصرية ؟
ومن الأشياء العظيمة التي كانت تستحق أن يسجلها الشعراء: محاولة مصر امتلاك أكبر مزارع سمكية في الشرق الأوسط، لسد حاجاتها وتصدير الباقي. إن الزيادة السكانية الهائلة في مصر تحتاج لمصدر يكفيها من البروتين، وقد أفسدنا كل البحيرات والمجاري المائية الطبيعية والصناعية بالصرف الصناعي والصرف الزراعي والصرف الصحي، ومن هنا كان ضرورياً التفكير في حل بديل، فجاءت هذه المزارع السمكية في بركة غليون وفي سيناء.
ومما كان يحتاج لأن يسجله الشعراء : مشروع شرق التفريعة بعد تطويره حتي صار واحداً من أهم موانئ الحاويات في العالم. والمدينة التكنولوجية التي يتم العمل فيها الآن، والإسماعيلية الجديدة، والعاصمة الجديدة.
إن مايحدث في منطقة القناة هو ثورة كاملة، وحلم قديم كان يبحث عمن يحققه، وهاهو يتحقق بأيدي المصريين.