العاشق «عبد الحليم شبانة حافظ»، يتيم منذ الولادة وكذا العاشقة «سعاد حسني البابا» يتيمة رغم وجود أبويها على قيد الحياة، نشأ الاثنان وسط زحام من الإخوة والأخوات، وفي الزحام يضيع الأطفال الموهوبون والموهوبات، لكن ما عند سعاد وحليم لا يستطيع الفقر أو الحياة الصعبة قهره، كانت موهبتهم لا تغلب وإن كان الخصم بقسوة وضراوة ظروفهما.. كتب على جبينيهما المجد والشهرة، وكتب أيضًا الكثير من العذاب والشقاء.
جاء العاشق من قرية الحلوات واختار دراسة «الأبوا» من بين الاَلات، اشتغل مدرسًا للموسيقى فكان محط أنظار وإعجاب الفتيات، ذاك النحيل القروي والعندليب المغرد الأبي، بينما كانت «سعاد» قد اختيرت لتكون أختًا للقمر، بين العباد حسنها اشتهر، حينما اكتشفها «الخميسي» واقتحمت عالم الفن وأصبحت أصغر وأجمل بطلاته، فكانت نعيمة فيلم «حسن ونعيمة»، بينما كان حليم بطلًا أمام شادية في فيلم «دليلة»، أول فيلم ملون «سكوب»، ولمع نجم الاثنين.
يأتي يوم يجمع العاشقين أمام كاميرا واحدة ولكنها تمثل دور أخته «في البنات والصيف»، لكن في الحقيقة أبدًا لا يتآخيان، بل ببعضهما يغرمان، يجمعهما الحب فينقلب الصيف ربيعًا طوال العام وعلى مدار ستة أعوام، يقول البعض إنَّهما تزوجا ويحلوا لآخرين أن يقولوا فقط تحابا، لكن المؤكد أنَّهما عشقا وفي الحب ذابا، كان حليم قد خرج من حب آخر بموت حبيبته ذات العيون الساحرة «جيجي»، بعد أن كان قد أعد العدة للزواج منها، وجاءت «سعاد» من بين النساء والعباد وأرجعته إلى عالم العشق واللوعة والسهاد.
كان «حليم» في الفن يوجهها بسلطة الحبيب، إذ إن موهبة سعاد وطلقائيتها كانت تفوق حليم ممثلًا ولكن في دنيا الحب، يحلو للأساتذة أحيانًا تقمص دور التلاميذ إرضاءً للحبيب، وكانت «سعاد» تقدّم الكثير من القرابين، ليستمر ذاك الحب ومنها تحمل إخفاءه عن الجميع «هكذا تصورا كليهما أو اعتقدا»، غير أن الجميع كان يرى ويشعر ويلاحظ الحب في عينيهما والغيرة تقفز من قلبيهما كل تجاه الآخر.
تطلب «سعاد» من «حليم»، إشهار العلاقة وإتمام الزواج فيرفض ويقول: «أنا مريض. أتريدين أن تعيشي ممرضة؟!»، فتقبل الأرض تحت قدميه وتنكفأ على يديه وتهذي: «ألا أبقني بقربك وسوف أتحمل»، فيعود ويثنيها عن عزمها، مانعًا سعادته وحلمها، قائلًا: «ومعجباتي! إن الزواج وإعلانه يطيح بطموحاتي»، وهنا تقف وعن الدموع تتوب وكذبًا تعترف ودفاعًا عن كبريائها ترد وبتسرع تنجرف: «عندك حق، أنا كمان أخاف على معجبيني وجمهوري»، وتختفي من أمامه وتختبئ عن الدنيا وعن عيونه.
يجوب العاشق يطفق الأرض ويبحث عنها ويسأل القاصي والداني: «ما شفتوش سعاد؟»، وتختفي سعاد لأيام، تخاصم بها الدنيا تبكي وحيدة وتتألم، العالم بأسره يعشقها ويتمنى نظرة من فاتنة السينما وهي قلبها معلق بعندليب الغناء الذي طريقه مفروش بالعذاب والعناء.
تعود وتظهر سعاد ويستمران يحبان ويعشقان وأخبار بعضهما يتابعان، بل إن «حليم» وصل به الحال أن يرسل سائقه تحت منزلها ليسجل له أرقام السيارات التي تنتظر تحته، ليعلم أيهم حضر وأيهم انصرف وأي الضيوف تستقبل.
تتزوج «سعاد» مرات متتالية ويستمر «حليم» بين الأطباء والحفلات مضيعًا حبه محتفظًا بالمعجبات، وسعاد تقنع حالها أنَّه ليس نصيبها أن تكون مع حبيبها، تحاول أن تستبدله بغيره وتتغير أسماء الأزواج ولكن القلب ما زال باكيًا حزينًا، يستمر نجمها في الصعود والتألق وإحساسها يصبح أكثر عمقًا وعبقريةً وألمًا وكذا الحال مع حليم «حلمها الضائع»، فيصبح الأول والأمهر والأبرع، ويتوج ملكًا للغناء ويصادق الملوك والرؤساء، لكن يظل قلبه ينزف ألمًا كما تنزف أحشاءه مرضًا، وروحه يأسًا، فقد أعطى الدنيا وحرم منها في ذات اللحظة كان ذاك الحرمان وقودًا لفن وتميز وموهبة لم تكن لغيره وشجنًا استمر في حنجرته وفي عين «سعاد» وضحكتها المبهجة الساحرة الحزينة المقهورة القاهرة.
رحل «حليم» وبكت «سعاد»، وكانت لا تتحدث عما جمعهما أثناء حياته واستمرت في صمتها بعد وفاته وعندما سئلت «لماذا؟ وقد مات وولى عهد الخوف من المعجبات؟»، قالت: «خشيت أن يفسر إعلاني لما بيننا خطأ فلست طامعة بما ترك».
تمر سنوات تحياها «سعاد» بشكل آخر وبصحبة آخرين، ولكنها تمضي سنوات مؤلمة حزينة، تؤلم قلبها وتزيد الآم ظهرها، سافرت تعيش بإنجلترا تعالج وتحيا بعيدًا عن ذكريات أيام مبعثرة، يتغير شكلها وتتعب روحها، وفي صباح يوم حزين يعثر على جثمانها ملقى أسفل بيتها في نفس تاريخ ميلاد عندليبها ويقع العالم بين شك في انتحار أو قتلها مع سابق العزم والإصرار، والآن لا فرق بكل الأحوال لقد انتهى عذابها.
رحلا وتركا لنا قصتهما شاهدة على نعيمهما وجحيمهما، وما زلنا نحب على صوت «حليم» ونعشق السندريلا «سعاد» أجمل بنات الكون وأتعس العباد.