الوطن
د. محمود خليل
«هل أتاك حديث الجنود»
يقفز الكثيرون على حقيقة أن مصر هى أقدم دولة فى التاريخ. وليس أدل على ذلك من ذكرها فى القرآن الكريم خمس مرات باسمها المباشر (مصر)، ناهيك عن المواضع التى ذكرت فيها على سبيل الكنية، إنها الدولة الوحيدة التى ورد اسمها فى الكتب السماوية لا لشىء إلا لأن شعبها كان متفرداً بين شعوب الدنيا بفكرة الدولة. فى المواضع التى يحكى فيها القرآن قصة فرعون مع نبى الله موسى، تجد كلمة جنود حاضرة بقوة. يقول الله تعالى فى سورة القصص: «فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِين». ظهور كلمة «جنود» فى هذه الآية دال كل الدلالة على حضور الجيش داخل مصر الفرعونية، ففرعون الذى بسط نفوذ مصر على العديد من النواحى استعان على تحقيق هذا الهدف بجيشه، وهو ما فعله أيضاً حين وجد نفسه فى مواجهة بنى إسرائيل، فاستخدم جنده ضمن أدوات الصراع. ويتأكد هذا المعنى فى الآية الكريمة من سورة البروج التى تقول: «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ».

الجيش المصرى كان قائماً وموجوداً منذ مصر الفرعونية، وبالتالى فأى حديث عن أنه لم يكن موجوداً فى عصر النبى، صلى الله عليه وسلم، فى محاولة للتشكيك فى حديث «خير أجناد الأرض»، يفتقر إلى الدقة. وإذا زعم زاعم أن مفردة «الجنود» فى آيات القرآن تتسع لتشمل كل من يعين الفرعون أو يساعده فى خوض معركته ضد موسى، فإنه يجهل حقيقة تركيب الجيوش فى الماضى، حيث كانت تتشكل من كل من يمتلك القدرة على القتال. أيام النبى، صلى الله عليه وسلم -على سبيل المثال- كان ينفر للقتال كل من لديه الطاقة على ذلك بمجرد سماع النداء، ويتثاقل الذين فى قلوبهم مرض، دون اشتراط عمر معين. يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ». ولعلك تعلم أن عمار بن ياسر شارك فى القتال إلى جوار على بن أبى طالب فى موقعة «صفين»، وكان عمره يناهز الثمانين.

منذ القدم كان لمصر جيش قادر على الدفاع عنها وبسط نفوذها إلى حيث تريد. وكتب التراث تذكر أن المصريين صمدوا أمام جيش الفتح الإسلامى صموداً كبيراً. يقول «ابن الأثير»: «فلما التقى المسلمون والمقوقس بعين الشمس واقتتلوا، جال المسلمون، فذمرهم عمرو، فقال له رجل من اليمن: إنا لم نخلق من حديد. فقال له عمرو: اسكت، إنما أنت كلب. قال: فأنت أمير الكلاب، فنادى عمرو بأصحاب النبى، صلى الله عليه وسلم، فأجابوه، فقال: تقدموا فبكم ينصر الله المسلمين، فتقدموا وفيهم أبوبردة وأبوبرزة وتبعهم الناس، وفتح الله على المسلمين وظفروا». يشير النص السابق إلى البلاء الحسن للمصريين فى مواجهة عمرو بن العاص وجنوده، البلاء الذى دفع أحد جنود عمرو إلى القول: «إنا لم نخلق من حديد»، وهى مقولة تعكس حجم المقاومة التى لاقاها ونظراؤه. فى مواقف عديدة شبيهة أثبت جند مصر قدرتهم على فعل المستحيل دفاعاً عن أرضهم. وليقرأ من يشاء عن بلائهم فى حرب أكتوبر المجيدة، ليجد مصداق وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بـ«خير أجناد الأرض».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف