بوابة الشروق
محمد زهران
الدكتور أحمد أبو زيد.. رائد الأنثروبولوجيا في مصر والعالِم الكوزموبوليتاني
عالمنا اليوم كوزموبوليتاني النشأة والعلم.



علم الأنثروبولوجيا هو علم يجمع بين علوم عدة مثل الاجتماع وعلم النفس والتاريخ والأحياء.. يمكننا أن نقول عنه أنه علم كوزموبوليتاني تماما مثل نشأة وتعليم عالمنا الكبير الدكتور أحمد مصطفى أبو زيد.



ولد أحمد أبو زيد في الإسكندرية في 3 مايو 1923 بحي القباري بالإسكندرية وكان أبوه من كبار مستوردي الفحم وهذا معناه أنه من أسرة ميسورة الحال وكانت أمه تنحدر من عائلة ذات أصول تركية وقيل أنها تميل إلي تذوق الآداب والفنون والموسيقي وهذه التركيبة بين التجارة من الأب والأدب والفن من الأم صنعت شخصية فريدة، وإذا عرفنا أن الوالد ينتمي لأصول مغربية /صعيدية والأم تنتمي لأصول تركية/ مصرية لوجدنا أنفسنا أمام تركيبة عابرة للثقافات، بدأ تلقي العلم في المنزل ثم المدرسة الأولية (وهي غير الكتاتيب) ثم مدرسة رأس التين الإبتدائية ثم الثانوية، ثم إلتحق بكلية الآداب قسم الاجتماع (كانت هناك ثلاثة أقسام في الكلية آنذاك: فلسفة وعلم نفس وإجتماع) بجامعة الإسكندرية وتخرج فيها عام 1944، وهناك تأثر بعدد من كبار الأساتذة مثل يوسف كرم (الذي تحدثنا عنه في مقال سابق) وأبو العلا عفيفي ومصطفى زيور، هذا طبعاً بالإضافة إلى المكون النفسي الذي تأثر بالحياة الكوزموبوليتانية في مدينة الإسكندرية بعد تأثره بالأب والأم كما ذكرنا.



في جامعة الإسكندرية تأثر عالمنا بعالم آخر كبير هو الإنجليزي ألفريد رادكليف براون (Alfred Radcliffe-Brown) والذي كان يعمل وقتها بجامعة الإسكندرية في زيارة لمدة عامين بعد أن تقاعد من جامعة أكسفورد وهذا التأثر بالعالم الإنجليزي جعله ينجز على يديه رسالة الماجستير (والذي بدأها قبل تعرفه على هذا العالم) سنة 1947، ورادكليف براون هو من أرسل أحمد أبوزيد لدراسة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية في جامعة أكسفورد سنة 1950 وهناك تتلمذ على يد أحد أساطين علم الأنثروبولوجيا الإجتماعية وهو العالم الإنجليزي السير إدوارد إيفانز بريتشارد (Evans-Pritchard)، وعلى يد هذا العالم الكبير وُلد عالم آخر كبير فقد أنجز الدكتور أبوزيد رسالتي دكتوراه: الأولى نظرية عن "النظم السياسية في شرق أفريقيا" والثانية ميدانية عن "النظم الاجتماعية والبناء الاجتماعي في الواحات الخارجة المصرية"، وأثناء كتابة الرسالة يظهر المعدن النفيس للعالم الحقيقي للأستاذ المشرف الذي كان من الممكن أن يكتفي بما علمه لتلميذه ولكنه لم يفعل ذلك بل أرسله لباريس ليتتلمذ على يد العالم الأنثروبولوجي الفرنسي الكبير كلود ليفي ستروس (Claude Lévi-Strauss) حتى يتعرف على المنظور الفرنسي كما تعرف على المنظور الإنجليزي، وهنا أيضاً نرى الكوزموبوليتانية العلمية كما رأينا الكوزموبوليتانية الأسرية والإجتماعية في حياة عالمنا الكبير.



في سنة 1956 عاد الدكتور أبوزيد إلى جامعة الإسكندرية كمدرس لعلم الاجتماع، وبعد عدة سنوات طلب منه نائب رئيس منظمة العمل الدولية بجنيف (وهو العالم المصري الكبير الدكتور عباس مصطفى عمار) الإنضمام إلى فريق عمل لدراسات ميدانية في السودان وكينيا ونيجيريا وسيراليون وغيرهم من الدول الأفريقية وماتزال هذه الدراسات مستخدمة حتى الآن واستغرقت من سنة 1960 وحتى 1963.



عاد الدكتور أحمد أبو زيد إلى جامعة الإسكندرية وبدأ فصل آخر من حياته سيكون له تأثير كبير على الوطن العربي كله حيث بذل جهوداً كبيرة لإنشاء قسم الأنثروبولوجيا في جامعته جامعة الإسكندرية و يكفي أن نقول أنه القسم الوحيد من نوعه في كل جامعات الشرق الأوسط كافة و قد خرج معظم الذين يتولون تدريس الأنثروبولوجيا الآن في العالم العربي، ولم يكتفي عالمنا الكبير بذلك بل لقد سافر إلى الكويت سنة 1966 ليشارك في تأسيس جامعة الكويت وأسس هناك أيضاً مجلة "عالم الفكر" والتي تعد من أهم المجلات المحكمة في العالم العربي للعلوم الاجتماعية، عاد الدكتور أبوزيد إلى جامعة الإسكندرية ليستكمل كفاحه لإنشاء قسم الأنثروبولوجيا بها ونجحت جهوده ومساعيه وتم تأسيس القسم سنة 1974.





أما عن إصداراته العلمية فحدث ولاحرج فقد نشر الدكتور أبوزيد عشرات من الكتب والبحوث وأشرف على عشرات من البحوث الميدانية والرسائل الأكاديمية.



تقلد عالمنا الكبير عدة مناصب إدارية وعضويات في جمعيات ليمتد أثره خارج قاعات المحاضرات وخارج المؤتمرات العلمية حيث إنتخب وكيلاً ثم عميداً لكلية الآداب وعضواً بالمجلس الأعلى للثقافة وعضواً بالمجمع العلمي المصري وعضواً بمجلس إدارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ورئيساً للجنة الدراسات الاجتماعية بأكاديمية البحث العلمي، هذا بالإضافة إلى زمالة المعهد الأنثلروبولوجي البريطاني الملكي وعضوية المجمع الإفريقي الدولي.



حصل الدكتور على العديد من الجوائز مثل جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 1993 وجائزة النيل للعلوم الاجتماعية سنة 2011 وقد رشحته لها جامعة المنصورة



أحب أن نختم مقالنا بمقولة الدكتور عن نفسه في حوار مع موقع أرنتروبوس (موقع عربي متخصص في الأنثروبولوجيا): "حين يولد المرء وينشأ تنشئته الأولى بل ويعيش معظم حياته فى مجتمع كوزموبوليتاني مثل مدينة الإسكندرية فى عشرينات وحتى خمسينات القرن الماضى ثم تتاح له فرصة مواصلة تعليمه العالي في إحدى أرقى جامعات اوروبا ثم تتاح له الفرصة أيضا بعد ذلك لأن يعمل فترة طويلة من سني شبابه ورجولته المبكرة فى إحدى المنظمات الدولية مثل مكتب العمل الدولى بجنيف فلا بد من أن يخضع تكوين شخصيته الاجتماعية والثقافية لمؤثرات عالمية مختلفة وعلى قدر كبير من الرقي وأن يكون لهذه المؤثرات صدى فى تفكيره وفى القيم التي يؤمن بها والتي توجه حياته وسلوكياته وفى نظرته إلى نفسه وإلى الآخرين وإلى الأشياء والعالم الذى يعيش فيه".



رحم الله العالم الكبير أحمد مصطفى أبو زيد الذي رحل عن عالمنا في 29 يوليو سنة 2013.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف