الوطن
د. محمود خليل
لماذا يستهدف الإرهاب «المصلين»؟
يوماً بعد يوم تتسع دائرة الإرهاب الموجه إلى المدنيين. مصريون بسطاء لا حول لهم ولا قوة يجدون أنفسهم فى لحظة غادرة فى مرمى نيران لا ترحم طفلاً أو شيخاً أو سيدة. عندما توكّل الإرهابيون على شيطانهم وعقدوا العزم على حصد أرواح المدنيين من أبناء الشعب المصرى المسالم اختاروا المصلين. بدأ الاستهداف بالمصلين المتبتلين والمتعبدين لربهم بالكنائس، بعدها دخل المصلون بالمساجد دائرة الاستهداف، وكانت مذبحة المصلين بمسجد الروضة بالعريش (نوفمبر 2017)، وأمس الأول عاد الإرهاب ليضرب المصلين بالكنائس من جديد، فى الواقعة التى شهدتها كنيسة «مارمينا» بحلوان.. والسؤال: لماذا اختار الإرهابيون المصلين عندما قرروا توجيه رصاصات غدرهم إلى المدنيين من أبناء هذا الشعب؟.

السبب الأول يرتبط بالتركيبة الشيطانية لنفسية الإرهابى. مؤكد أن من يوجه رصاصاته إلى إنسان آخر لا يوجد بينهما سابق معرفة مسوق بتركيبة نفسية شيطانية. فكّر معى فى مشهد يظهر فيه قاتل يرتدى ملابسه ويحمل سلاحه، مقابل مشهد آخر يسير فيه شيخ أو طفل أو سيدة فى طريقهم إلى مسجد أو كنيسة ليذكر ربه ويتعبد إليه ويرجو صلاح الدنيا وحسن ثواب الآخرة. انتقل إلى مشهد ثالث تجمع فيه الصدفة البحتة بين القاتل والشهيد، هى المرة الأولى التى يرى فيها القاتل وجه ضحيته، فيوجه رصاصاته إلى صدره ليسقط شهيداً، بعدها يشرع القاتل فى البحث عن دم جديد لا يعرف صاحبه أيضاً. أى نفس شيطانية تلك؟!. يقول الله تعالى فى شأن هذه الفصيلة البشرية: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ». لا يمكن أن يكون هناك تفسير أدق لاستهداف الإرهاب للمصلين بالمساجد والكنائس من التفسير الذى تحمله هذه الآية. فالشيطان يستحوذ على الإرهابى بشكل كامل، ويسوقه سوقاً، والشيطان عدو لله، وعدو للبشر الذين يذكرون الله، والمساجد والكنائس هى الواحات التى يخلو فيها المؤمن إلى خالقه، لذا من الطبيعى جداً أن يتوجه الإرهابى الذى يسوقه الشيطان إلى المتعبدين بها، ويجعلهم هدفاً له.

السبب الثانى يتعلق بالدلالة الرمزية للمساجد والكنائس. العامل الرمزى يحضر بشدة فى الكثير من العمليات الإرهابية، منذ أحداث سبتمبر 2001 وتفجير برجى التجارة بنيويورك وحتى استهداف المساجد والكنائس. الإرهابى الذى تمت تربيته فى حدائق الشيطان يحب أن يوجه ضرباته إلى رموز معينة. «بن لادن» اختار برجى التجارة كرمز من رموز القوة الأمريكية المتحلقة حول المال والأعمال، فى وقت اختار فيه الإرهابيون فى مصر المساجد والكنائس كرموز دالة على الإيمان. إيمان هذا الشعب بمسيحييه ومسلميه يعد العنصر الأهم من عناصر قوته. لذا تجد الإرهاب يتوجه إلى واحات التعبير عن القوة الإيمانية لهذا الشعب: المسجد والكنيسة.

السبب الثالث يتصل بحالة الأسر التى يعيشها الإرهابيون. إنهم أسرى كبارهم وأمرائهم الذين ربوهم على الغدر. والإرهابى يعشق الغدر، ويعيش إحساساً خاصاً بهذا العشق وهو يريق الدماء داخل أكثر الأماكن التى يهرع إليها المصريون بحثاً عن «الأمن»: المسجد والكنيسة. تجارب التاريخ تقول إن المصريين عادة ما يهرعون إلى المساجد والكنائس عندما يواجهون شراً أو خطراً أو شدة، فهى بالنسبة لهم أكثر البقاع أماناً. لكن هناك نفوساً نسجها الغدر تجد فى هذه الأماكن المقدسة ساحة لممارسة شهوتها فى الغدر بالآمنين. تلك هى أسباب استهداف الإرهاب لـ«المصلين».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف