الأهرام
محمد صابرين
7 دروس من أروقة السلطة
لا أعرف لماذا عادت هذه الرواية الطريفة التى سمعتها منذ سنوات بعيدة فى احدى دول الخليج لتهيمن على ذهنى، فقد قال المثقف الخليجى للدبلوماسى اليابانى «ألا ترى أن بلادى تنعم بالأمن والأمان». وبعد تردد طويل قال الدبلوماسى المخضرم «نعم ولكنه امان الموتى»، ومنذ ذلك الحين لم تعد الأحوال كما كانت، ولم يعد ذلك السكون الأقرب إلى الموت «متاحا». ولقد اشتعلت الأحوال فى العالم العربى من المحيط إلى الخليج، وتفجرت الحروب، والآن اشتعلت نيران الطائفية، والتدخلات الأجنبية السافرة والخشنة، وتصاعد الارهاب بعدما وصل التطرف إلى مدى بعيد، وبات ملحاً اعادة النظر فى التعليم ولغة الخطاب الدينى ومحتواه، كما أن هناك عملية أخرى لا تقل خطورة عن مواجهة الارهاب تتعلق »بعملية اصلاح اقتصادى« شاملة، ولكن وفقاً لضوابط جديدة لعل أهمها أن تشمل عوائد الاصلاح الجميع، وأن يتم تعديل الصورة السيئة عن الأوضاع العربية:

«قلة محظوظة وأغلبيتة محرومة». وأحسب ان من الانصاف الاقرار بأن «حالة من عدم اليقين» تلف عالمنا المعاصر، وليس فقط عالمنا العربى. ولكن قبل أن يفارقنا 2017 فإن المرء يمكنه أن يستخلص 7 دروس من أروقة السلطة.

ــ.ــ وأحسب أن الدرس الأول يتعلق بمصير الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، والذى قال هو نفسه وعن أسلوب الحكم بأنه أشبه »بلعبة الرقص مع الثعابين«، ولقد كانت النهاية محتومة حتى وفقاً لنبوءة صالح الساخرة، وهذا ربما سيكون مصير البعض فى السودان الذين »يرقصون كثيراً«، ويبدلون المواقف من ضفة إلى أخرى، ويشعرون بأن فى إمكانهم. التنقل بحرية «من عربة إلى أخرى»، وأغلب الظن أن التحالف مع الشيطان ليس بالامكان الفرار من عواقبه مثلما حدث للسادات، كما أن «لعبة السياسة»، ربما تعطيك فرصة واحدة لمغادرة الساحة، فاذا ما جرى الاصرار على «اللعبة الخطر» فإن النهاية محتومة!

ـ.ـ والدرس الثانى تنطبق عليه قواعد كرة القدم، والتى تنصح «اللاعب النجم» أن يعتزل وهو فى «أوج عطائه» بدلا من أن يضطر للخروج وسط صيحات الاستهجان من الجماهير. وهذا مالم يدركه روبرت موجابى حاكم زيمبابوى، والذى كان اخر الاسماء فى لائحة طويلة أطالت البقاء حتى جرى إزاحتها. ويواجه رئيس فنزويلا الحالي مادورو الموقف ذاته، ولا يدرك هؤلاء أن عليهم الرحيل، وأحسب أن انجيلا ميركل ستكون ضمن «قائمة المغادرين» من الساحة السياسية، فهناك زمن على السياسى فيه أن يرحل.

ـ.ـ والدرس الثالث يتعلق «بالسر الحقيقى» ـ أو لنقل أبرز الاسباب ـ لما يواجه العالم العربى من «ربيع» أو «شتاء» أو «انتفاضات»، ألا وهو «الأزمة الاقتصادية»، وسوء الاحوال المعيشية، وقلة أو عدم وجود فرص عمل، وفقدان الأمل فى المستقبل، ولعل مايدعم مانذهب إليه هو أن شعارات 25يناير كانت «عيش. حرية. عدالة اجتماعية»، واذا ماجرى تحليل الشعار فإن ثلثى المطالب كانت اقتصادية. والآن فأن تونس والمغرب اللتين يتفق الغرب على أن بهما «نموذجا ديمقراطيا» يؤيده فإنهما تشهدان اضطرابات واحتجاجات اقتصادية. وأحسب أن الأمر الأهم هنا أن نتنبه إلى ذلك بقوة، فحتى الأكراد الذين وحدتهم لفترة وجيزة فكرة الاستقلال فإن «ضغوط الأزمة» الاقتصادية فجرت أوضاعهم.

ـ.ـ والدرس الرابع محوره أن «القبضة الحديدية»، و«عدم المرونة» فى التجاوب مع مطالبة مشروعة من المعتدلين والمواطنين سيفتح «أبواب الجحيم». وهنا علينا أن نتوقف أمام تجربة سوريا وليبيا واليمن، فلقد اختار هولاء الذهاب إلى اخر المدى فى المواجهة بقسوة لمطالب بسيطة ومشروعة. إلا أن ما حدث لم يكن أبداً مثلما تصور أصحاب الرأى المتشدد، فلقد أعطى هؤلاء الفرصة «للتيارات العنيفة» وللقوى الاقليمية والدولية أن تتدخل وبقوة، وأن تجد «المقاتلين المتطرفين»، بل وأن تجدها فرصة للتخلص من مواطنيها المتطرفين للذهاب إلى «ساحات معارك» للقتال فى خضم حرب لا هوادة فيها، والأخطر أن أجندة القوى الأجنبية «بدأت تتصارع وترسم إلى حد بعيد» وتناغمها، وستحمل لسنوات «حقائب ثقيلة» من صراعات وموت ودمار، كما أن استقلالها التي دافعت عنه لسنوات طوال لن يعود كما كان؟!

ـ والدرس الخامس تقدمه مصر في سياستها «الحذرة»، و«الرافضة للتورط» في أي مستنقع سواء بفعل «الاغواء» أو حتي تحت التهديد. فلقد اختارت القاهرة ألا تكون أبدا «بندقية للإيجار»، كما أنها لم تغامر «بحروب مفتوحة» أو «لغة عنت رية» تجاه خصومها ومنافسيها. وتحملت النخبة السياسية المصرية الكثير من السخافات والسخائم من قبل جنرالات المقاهي، وأصحاب «اللغة الحنجورية»، وأيضا «تجار الدين». وهؤلاء جميعا أبطال في خوض «المعارك الخاسرة»، و «الإنجرار إلي مواجهات الخراب والدمار»، ويمجدون «القائد المهزوم» ويقتلون ويحتقرون «الرئيس المنتصر». وأحسب أن هؤلاء يعكسون عقلية مأزومة «تري أن المهم هو «التورط» أولا، والإسراع بدخول «المعارك» أو «المهالك» والتي نتيجتها معروفة سلفا. فلقد ورطوا عبد الناصر، كما سقط صدام حسين رئيس العراق السابق، والذي كان بإمكانه أن يفلت من المصيدة، واستطاع الآخرون أن يصيدوا «الديك الرومي»، وأن يقتلوا القذافي. إلا أن مصر الجديدة بعد 30 يونيو في غاية الحذر، ولم تتورط في اليمن أو سوريا أو حتي ليبيا، وهي تعرف أنها مستهدفة، وأنهم سوف يحاولون بشدة «تجربة وسائل أخري».

والدرس السادس.. يتعلق بمعضلة «أهل الثقة» و«أهل الخبرة»، وبصراحة تزايد دور الأمن في السياسة. وأحسب أن المحصلة سبق أن تم تجربتها من قبل، وأن اختيار «الضعفاء» وشخصيات «حاضر يا سيدي» عادة ما تؤدي إلي أوضاع سيئة، بل وكثيرا إلي «كوارث». والذين تابعوا ما نشره عادل حموده رئيس تحرير الفجر عن اعترافات الرئيس عبد الناصر لضيوفه من القادة العرب مثل هواري بومدين والملك حسين بعد هزيمة 67 سوف يدرك عمق المأساة وبالطبع لا أحد يمكنه أن يجادل في ضرورة «المعلومات الأمنية» ودقتها لإنارة الرؤية لصاحب القرار، ولكن تنوع الرؤي ووجود شخصيات قوية قادرة علي أن تقدم المشورة ولو كانت مؤلمة أمر لا غني له لحماية الأنظمة والأوطان. ويعتقد كثيرون أن السياسة ليست فقط تطوير الأفكار العظيمة، ولكن كيفية تنفيذها بل وتحقيقها!

ـ ويبقي الدرس السابع وخلاصته أن الحرب ضد المنظمات الإرهابية هي حرب طويلة، وفي بعض الأحيان لا تنتهي أبدا. وأحسب أن علينا أن نتأمل هذه الدروس ونستوعبها جيدا، وهي للأسف ليست «أمورا مفاجئة» بل أحوال لا تتكرر بانتظام؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف