الوفد
علاء عريبى
محامٍ من أسوان
فكرت كثيرا فى فكرة المقال الذي أفتتح به العام الجديد، هل أكتب عن الحالة الأمنية، عن الإرهاب، عن تدنى مستوى المعاشات، عن ارتفاع الأسعار، عن طابور البطالة، عن بعض المشروعات القومية: المزارع السمكية، الطرق، محطات الكهرباء، الأنفاق، المدن الجديدة، عن تنمية سيناء، عن ضعف المرتبات، عن الحريات، عن قوائم العفو، عن الأبواق الإعلامية، عن التغييب.
بعد فترة من الحيرة قررت أن أكتب عن نموذج طيب، نقدمه كشمعة وسط العتمة، كمثال وقدوة للشباب والأجيال القادمة، وللأمانة لم أجد أفضل من الكتابة عن هشام الفناشى المحامى، هو شاب، أظنه في الثلاثينيات، من مدينة أسوان، لا أعرف ملامحه، ولا بنيته، فلم أره حتى اليوم، وعلاقتي به كانت عبر المحمول.
تعرفت على هشام الفناشى منذ بضع سنوات بسيطة، كانت لي مشكلة مالية مع مقاول أسواني، وكتب شيكات وتهرب من تسديدها، اتصلت بالصديق محمد راشد، مهندس زراعى، تخرج عام 1967، إسكندرانى، تزوج وأقام فى أسوان، ويعمل في تجارة السماد، وطلبت منه أن يرشح أحد المحامين، ورشح هشام الفناشى.
اتصلت بالفناشى، وحكيت له المشكلة، وأخبرني بما سيفعله، واتفقنا على الأتعاب، وطلب منى أن أرسل له التوكيل والشيك، ومقدما من الأتعاب، فى اليوم التالى ذهبت للشهر العقارى، ووكلته، ومررت على البنك وحولت له مقدم الأتعاب، وأرسلت له فى البريد السريع التوكيل والشيك.
بعد ثلاثة أشهر حصل على حكم بالسجن على النصاب، واتصل بى أنه سوف يقوم بتنفيذ الحكم بعد استخراج صورة رسمية منه، وبالفعل شرع فى إجراءات التنفيذ، وقامت وحدة تنفيذ الأحكام بمركز أسوان فى التحرك، وضبط النصاب فى منزله، واقتادته إلى قسم الشرطة، ثم النيابة، وبدأ فى إجراءات الاستئناف، واتصل بالفناشى للتفاوض، واتفقا على تسديده المبلغ خلال شهر.
قبل نهاية الشهر تلقيت مكالمة من الفناشى يخبرنى فيها بأنه سوف يقابله للحصول على المبلغ والتنازل عن الدعوى، وفى اليوم التالى اتصل بى من البنك ليخبرنى أنه أودع المبلغ فى حسابى بعد أن خصم منه باقى أتعابه حسب اتفاقنا، وطلبت منه أن يقيم دعوى أخرى على نفس الشخص بالشيك الثانى، وأقامها بالفعل وقبل صدور الحكم اتصل به النصاب وحدد معه موعدا لتسديد المبلغ، وأخبرني الفناشى أنه سوف يحصل على أتعابه من النصاب، وفى الصباح أودع المبلغ فى حسابي وتنازل عن الدعوى المقامة، وأكد لى أنه حصل منه على أتعابه.
هذا الشاب المحامى كان بمقدوره أن يفعل مثل بعض المحامين النصابين ويستولى على المبلغ أو أنه يغالى فى أتعابه أو غير ذلك، وقد يشجعه على ذلك أن علاقتي به كانت تليفونية، لم أره، ولا أعرف شكله ولا عنوانه، ويبعد بينى وبينه ألف كيلومتر، لكن تربيته وخلقه لم تسمحا له حتى في التفكير فى ذلك.
هذا الشخص النبيل فى ظنى هو خير مثال ونموذج نفتتح به العام الجديد، لأنه يعد قدوة ومثالا يجب أن يقدم للشباب المحامين والأطباء، والإعلام، وغيرها من التخصصات، مصر كما فيها غير الأمين والنصاب، فيها هشام الفناشى، تحية تقدير للمحامى الشاب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف