فى مدينة «جرادة» المغربية، اندلعت مظاهرات عارمة بعد مصرع اثنين من العمال خلال استخراج الفحم من أحد المناجم الخطرة التى منعت الحكومة العمل فيها، لكن الأهالى أصروا على المواصلة بسبب عدم وجود عمل آخر متاح لهم. وفى مدينة «مشهد» الإيرانية اندلعت مظاهرات عارمة منذ بضعة أيام بسبب البطالة وارتفاع الأسعار وتعقّد الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية للمواطن الإيرانى. سر ثورة هؤلاء إيقاف مهزلة «الموت فى سبيل القوت».
لا جديد فى مظاهرات مدينتى «جرادة» و«مشهد». فى المغرب خرجت الحكومة مؤكدة أنها بصدد إقامة مشروعات بديلة وبعيدة عن المناجم الخطرة، وكذلك تفعل كل الحكومات، حين تبذل «الوعود» فى مواجهة الشعوب الغاضبة. وفى إيران اتجه النظام إلى إخراج مظاهرات مؤيدة له فى مواجهة المحتجين، وحينما اشتد الأمر أكثر بادر إلى القمع، وعندما سقط محتجون قتلى فى مظاهرات البحث عن القوت خرج المسئولون الإيرانيون مؤكدين أن هناك أصابع أجنبية تقف وراء قتل المحتجين!. لم يكن «ترامب» غائباً عن الحدث الإيرانى، حين خرج مندداً بقمع المحتجين فى «مشهد»، ومطالباً الحكومة الإيرانية بالاستماع إلى مطالب شعبها، ومؤكداً أن الإدارة الأمريكية تدعم مطالب الشعب الإيرانى فى الحرية والحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية!. الإعلام الخليجى انقسم فى نمط تغطيته لمظاهرات إيران تبعاً لمواقف الدول التى يعبر عنها من نظام «الملالى».. «الجزيرة» القطرية قدّمت تغطية سريعة وخفيفة للمظاهرات، فى حين اهتمت القنوات السعودية والإماراتية بالحدث منذ اندلاعه، وقدّمت تغطية ثقيلة له.
فى كل الأحوال، يبقى «القوت» محركاً أول للشعوب. فالوجع الاقتصادى هو الدافع الأبرز لنزول الناس للاحتجاج، ومهما بلغت قوة وتمكن النظام من أدوات القهر، فإنه يفقد سيطرته على الأمور أمام مظاهرات «الخبز». الحكومة المغربية أغلقت منجم جرادة بسبب مخاطره على العاملين فيه، لكنها لم توفر بديلاً آخر للعمال، وتركتهم لـ«الجوع» و«العوز» فثاروا فى وجهها. فلا معنى لأن تغلق لى باباً وترسم عليه عظمتين وجمجمة، ثم تترك الناس للجوع، فالجوع خطر كفيل بالفتك بهم أيضاً. أما الحكومة الإيرانية فقد وجّهت ميزانيتها إلى السلاح، وبذلت مالها وقدراتها العسكرية لخوض حروب فى سوريا واليمن والعراق، وتركت مواطنيها نهباً للجوع. لا يستطيع المواطن أن يجارى حكومة أو نظاماً يبحث عن القوة بمفهومه الخاص، المواطن لا يفهم معنى لقوة الدولة، فى وقت تخلو فيها معدته من الطعام، وفى لحظات يبحث فيها عن عمل يتعيش منه ولا يجد.
لا شىء يحرك الشعوب أكثر من قوت يومها. الناس تصبر على الحكومات شهراً فشهراً، وسنة فسنة، ثم تتحرّك مطالبة بحقها فى الحياة، لكن كثيراً ما يدفعها حظها العثر إلى تكاثر الأكلة على «قصعة غضبها»، الكل يريد استثمار أو سحق حركتها تبعاً لموقفه من النظام الذى يحكمها. أطراف كثيرة تحاول استغلال غضبة الشعوب، أصوات مختلفة تزعم أنها تدعمها، وواقع الأمر أنها تكايد حكوماتها ليس أكثر. على الشعوب أن تتعلم أن محنتها تبدأ عند عتبة السياسة، فى حين يندلع غضبها عند آخر حدود الاقتصاد. على الشعوب أن تفهم أن أوجاعها الاقتصادية تبدأ عند عتبة السياسة.