الإرهاب يطور من تكتيكاته وأساليبه وطرق تنفيذ العمليات للنيل من الآمنين، فى حين يتمسّك المسئولون عن مواجهته بالنمطية واللامرونة والتفكير الخطى والأساليب العقيمة، أو بعبارة موجزة بـ«أسلوب الموظفين». قبل الاحتفال بليلة رأس السنة بأيام، أعلنت وزارة الداخلية عن خطتها لتأمين الاحتفالات، وهو جهد يُشكر، لكنه يعكس طريقة تفكير قديمة أساسها الأمن المرئى. مدير أمن الغربية -على سبيل المثال- قاد موكباً شرطياً يتكون من 30 سيارة، وسار به فى شوارع المحافظة، وقال تعليقاً على هذا الأمر إنه يأتى فى سياق طمأنة المواطنين، وإثبات القوة!. الأمن الناجح هو الأمن غير المحسوس، الذى يعتمد على المعلومات أكثر مما يعتمد على العضلات.
لم تكد تمضى ساعات قليلة على دفن شهداء كنيسة «مارمينا» بحلوان، حتى شهدت العمرانية حادثة إرهابية مزعجة، راح ضحيتها مصريان مسيحيان، كانا يقفان إلى جوار صديق لهما فى محل لتهنئته بالعيد، وفى صحبتهما أطفالهما، بعد أن اشتريا لهم ملابس العيد. فجأة ظهر ثلاثة إرهابيين يمتطون ظهر «توكتوك»، وصوّب أحدهم رصاصاته نحو الواقفين، ارتمى الأخوان «أشرف وعادل» على أولادهما وتلقيا رصاصات الإرهاب عنهم. وقعت الواقعة وفر الجناة الثلاثة، ولم يتم القبض عليهم حتى كتابة هذه السطور. لو تأملت قليلاً واقعتى حلوان والعمرانية، ستجد أن الإرهاب يطور من تكتيكاته وأساليبه، وأصبح يعتمد على فكرة الذئاب المنفردة القادرة على تنفيذ عملياتها فى الشوارع المفتوحة، بعيداً عن التجمّعات داخل الشوارع المؤمّنة بكتل الخرسانة. وبالمناسبة يُعد أسلوب «التأمين بالخرسانة» من الأساليب «الموظفينى» فى الحماية الأمنية، وتقوم على فكرة تأمين المبنى الموجود فى شارع معين من خلال إغلاق الشارع كله، أو حتى إغلاق المنطقة التى يوجد فيها.
الإرهاب بدأ التحرّك فى الشوارع الخالية، والتمشّى فيها، وتنفيذ عملياته على مهل، وأصبح تقييم العمليات الإرهابية يرتكز على فكرة العدد، أقصد عدد الضحايا، وكأن سقوط 9 ضحايا أو ضحيتين فقط فى عملية يعنى نجاحاً. «الحسبة الكمية» فى هذا السياق تعكس أيضاً تفكير «موظفين». العمليتان الإرهابيتان بحلوان والعمرانية بحسابات العقل والسياسة تحملان خطورة بالغة الدلالة. فهما تعيدان من جديد فكرة «القتل على الهوية»، وفى الوقت نفسه تحملان دلالة على ما هو أخطر فى المستقبل. فإذا كانت ذئاب الإرهاب تنفذ اليوم عمليات إطلاق نار منفردة فى الشوارع، وينفذ الذئب الواحد أكثر من عملية حتى يسقط، كما حدث مع إرهابى مارمينا الذى قتل وأصاب العشرات قبل القبض عليه فى آخر عملية، فعلينا أن نتوقع ما هو أخطر خلال الأيام المقبلة.
كتبت -قبل واقعة «مارمينا»- مقالاً تحت عنوان «خطر مجهول يلوح فى الأفق» ذكرت فيه أن: «الناس فى حاجة إلى نوع من الطمأنة، خصوصاً أن هناك من يسعى لتعميق إحساسهم بالذعر والخوف». أعلم أن العبء الملقى على كاهل قوى الأمن فى مصر كبير ومرهق، والجميع يتفهّم ذلك، لكن يبقى أن تطوير أساليب التطوير والأداء أصبح واجباً، خصوصاً أن الإرهاب لا يتوقف عن تطوير أساليبه، بعيداً عن تفكير «الموظفين».