سواء استمرت وتصاعدت احتجاجات إيران الشعبية أو تمكنت السلطات الإيرانية من السيطرة عليها وإخمادها، فإنها سوف يكون لها تداعياتها علي منطقتنا وبالتالي علينا نحن العرب.
فهذه الاحتجاجات التي كانت بدايتها اقتصادية، الناجمة عن تراجع الأحوال المعيشية للفقراء وأصحاب الدخول المحدودة من أبناء الطبقة المتوسطة الصغيرة، وسبقها تحريض من قبل قطاعات من المحافظين في إيران، سرعان ما تجاوزت ذلك لتصير احتجاجات ذات طابع سياسي، لا تطالب بإصلاحات اقتصادية أو اجتماعية فقط وإنما تطالب بتغيير سياسي شامل يطال النظام الحاكم في إيران بإصلاحييه ومحافظيه، وبذلك فقد هؤلاء المحافظون الذين حرضوا عليها القدرة علي السيطرة عليها وتوجيهها كما خططوا لذلك، خاصة بعد أن اتسعت هذه الاحتجاجات رأسيا وأفقيا واتسعت لتشمل عددا أكبر من المدن الإيرانية وقطاعات أكبر من الإيرانيين الذين رفعوا شعارات الموت للديكتاتور وحرقوا صور المرشد والرئيس معا وطالبوا بوقف التمدد والتدخل الإيراني خارج البلاد الذي كلّف الخزانة الإيرانية الكثير وحرم الإيرانيين من الكثير من الأموال التي كانوا يحتاجونها للتخلص من الفقر وتردي الأحوال المعيشية.. ولم يفلح ضبط النفس الذي حاولت أن تلتزم به السلطات الإيرانية في بداية هذه الاحتجاجات في احتوائها والسيطرة عليها ومن ثم إيقافها، لأن الغضب زاد أكثر بين الإيرانيين بعد سقوط قتلي في المظاهرات، وأيضاً لأن قيام النظام الحاكم بتنظيم مظاهرات مؤيدة له استفزت بدلا من أن تحتوي وتهدئ من غضب الشارع الإيراني. وحتي اتهام السلطات الإيرانية أمريكا والغرب بالوقوف وراء هذه الاحتجاجات، وهو ما ساعد عليه موقف الرئيس ترامب وتغريداته التي أيدت المتظاهرين الإيرانيين ومطالبتهم بتغيير سياسي في بلادهم لم تجد كثيرا في كبح جماح التظاهرات أو منع اتساعها أفقيا ورأسيا علي النحو الذي شاهدناه حتي الآن.. وهو ما يُبين أن الغضب الجماهيري وصل في إيران درجة ليست بالقليلة، خاصة وأن أغلب الإيرانيين كانوا يأملون أن تتحسن أحوالهم المعيشية بعد إبرام الاتفاق النووي مع أمريكا والغرب، لكن آمالهم ذهبت أدراج الرياح.
ولذلك أيا كانت نتيجة هذه الاحتجاجات، وحتي لو تمكنت السلطات الإيرانية من إخمادها بالقوة، كما أعلن ذلك أكثر من مسئول إيراني وبعد اتهام المرشد الإيراني أمريكا بتدبيرها، فإن ما تشهده إيران الآن سوف يكون له تداعياته في منطقتنا.. فإن الحكم الإيراني سوف يجد نفسه مضطرا لتقليص أنشطته الخارجية وتدخلاته المكلفة ماليا له لتوفير موارد ينفقها في الداخل لتحسين الأحوال المعيشية المتراجعة لمعظم الإيرانيين، وذلك سوف ينعكس بشكل مباشر علي الكثير من مناطق الصراعات الآن في منطقتنا، مثل سوريا واليمن، كما سوف يؤثر علي التوازنات الإقليميه بل والعالمية الحالية.. باختصار نحن إزاء متغير جديد في منطقتنا سوف يتحدد نطاقه ومداه بما سوف تؤول له تلك الاحتجاجات الشعبية في إيران.. ونحن يجب أن نراقب عن كثب ما يحدث ونكون جاهزين لمواجهة كل المتغيرات، رغم أن تلك الاحتجاجات الإيرانية كما قالت الخارجية المصريه شأن إيراني داخلي.