أمال عثمان
أوراق شخصية - تصنيع «الدواعش» في مدارسنا !
تحدثنا كثيرا وبحت أصواتنا عما تحتويه مناهج الأزهر من أفكار متطرفة وشاذة، تحض علي العنف والكراهية، وتستبيح الدماء وتُكفّر العباد، وتُفرغ للمجتمع قنابل موقوتة ومدمرة، ولكن لا حياة لمن تنادي! لذا لم يكن غريبا أن نري شابا ملثما يمسك برشاش ويطلق الأعيرة النارية صوب أحد الكنائس، أو نجد آخر يُطوق نفسه بحزام ناسف ليفجر كاتدرائية، أو من يصنع العبوات الناسفة لاستهداف ضباط الشرطة!
لكن ما لا يمكن الصمت حياله أن تصل الأمور إلي اختراق وزارة التربية والتعليم، وغزو مناهجها والسطو علي كتبها الدراسية التي تشكل عقول صغارنا، وتصيغ أفكارهم وتبني شخصياتهم، وأن تتحول مدارسنا إلي معامل لغسيل الأدمغة، وعنابر لتصنيع "دواعش" يكفرون ويحرمون ويهدمون!!
بالله عليكم.. ماذا تهدف الوزارة المصونة من غرس تلك الأفكار الرجعية الهدامة التي تفسد عقول التلاميذ الصغار، وتعلم طلاب المرحلة الإعدادية فتاوي متطرفة شاذة تعود بنا إلي الجاهلية، وتحرم "التماثيل " باعتبارها أوثانا واقتناءها معصية للخالق؟! في أرض الحضارة الفرعونية العظيمة التي أبهرت العالم، كيف نرسخ في أذهان أبنائنا في المدارس، أن التماثيل أصنام محرمة ويجب اجتنابها ؟! في بلد محمود مختار وجمال السجيني وآدم حنين، والعشرات من عظماء فن النحت الذين أحيوا فنا ظل باقيا عبر الأزمان، كيف نوظف الآيات القرآنية لنثبت لأبنائنا أن صناعة التماثيل واقتناءها كفر وإلحاد، ورجس من عمل الشيطان !!
لماذا إذن نستنكر ما يفعله أتباع أبو بكر البغدادي الذين سلبوا آثار بلاد الرافدين، وهدموا تراث ما بين النهرين، وحطموا تماثيل ومتاحف حضارة إنسانية عريقة، إذا كان في أوطاننا أساتذة تربويون أفاضل يجرمون فن النحت، ويعلمون صغارنا في المدارس أن التماثيل مازالت تصنع لتعبد ؟! وكيف نتندر بما فعلته طالبان بمعاولها ومطارقها البربرية، وتصدر دار الإفتاء بيان إدانة بعد تحطيم "داعش" للآثار الأشورية بمتحف الموصل في العراق، وفي بلادنا شيوخ وفقهاء وخطباء يعلمون شبابنا في المساجد أن تراثنا الحضاري مجرد أوثان وأصنام يحرمها الخالق ؟! لم نتعجب من أفعال هؤلاء الخوارج الذين يصدرون فتاوي الحرق والذبح وسبي النساء، وبيننا شيوخ يحرمون الفن والإبداع، ويكفّرون المصورين ويتوعدونهم بنار جهنم وبئس المصير؟
لقد أدهشني حقا التصريح الذي جاء علي لسان د. محمود فؤاد مستشار مادة التربية الدينية بالوزارة في جريدة "المصري اليوم" الغراء، فسيادة المستشار المنوط به مراجعة المناهج في مختلف المراحل الدراسية، قال لا فض فوه - أنه لا يعلم بتلك الواقعة، أي أن مستشار المادة لا يعرف ما تحويه كتب الوزارة من أفكار وفتاوي تحريم وتكفير، يا سيادة المستشار إذا كنت تعلم ما في منهج التربية الدينية فهذه مصيبة، وإن كنت لا تعلم حقا فالمصيبة أعظم!!
ألا تعلم أيضا يا سيادة المستشار أن وزارة التربية والتعليم المبجلة، تلزم طلبة الصف الخامس الابتدائي الأقباط بحفظ سور من القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، ليس في مادة التربية الدينية، وإنما في مادة اللغة العربية ؟! إذا كان السادة الأفاضل مؤلفو الكتاب الدراسي، يريدون التدليل علي أن الأديان السماوية تحض علي العمل في درس " جزاء العاملين" أو عمل الخير والإنفاق في سبيل الله في درس "الاعتدال في الإنفاق"، أو مكانة العلم والعلماء في درس " العلم النافع وتقدم المجتمع "، فلماذا يستشهدون بالآيات القرآنية والأحاديث، ولا يستشهدون بالإنجيل ؟!
يا سادة.. هل من الإنصاف إجبار التلاميذ المسيحيين علي تعلم ديانة غير ديانتهم، وحفظ سور من القرآن الكريم والأحاديث النبوية لكي يجتازوا امتحان مادة اللغة العربية ؟! وهل هذا هو التطوير الذي يستهدفه السادة أعضاء لجنة التعديل والمراجعة، ومركز الإشراف والتطوير، أم أنها مجرد أسماء توضع علي أغلفة الكتب لزوم المكافآت والحوافز ؟!
أخشي ما أخشاه أن تمتد يد تطوير المناهج التي نسمع عنها ليل نهار، لتصل بنا من تدريس تحريم اقتناء الصور والتماثيل في المناهج، إلي تدريس شرعية لبس الجلباب وتقصيره، وما إذا كان شرب الماء وقوفا مخالفا للسنة، وحكم من تزوج بالجن، وحرمة الصلاة بجوار المرأة، وإرضاع الكبير، والأدلة علي تحريم تهنئة الأقباط في أعيادهم !!