لا يتوقف «ترامب» عن التلويح بقطع المعونة عن الأنظمة السياسية التى ترفض قراراته، وكأنه أب لا يتوقف عن تهديد «عياله» الذين لا يسمعون الكلام بقطع المصروف، بعد أن عجز عن تبليعهم قراراته وتوجيهاته الحمقاء. تركيبة عجيبة هذا الرجل فهو يؤدى بمنطق «البركة الآن أو اللعنة الآن»، فبعد أن اتخذ قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، هدد كل من يرفض القرار فى الأمم المتحدة بقطع المعونة الأمريكية عنه، ثم خرج منذ يومين ليوجه تهديداً مباشراً للسلطة الفلسطينية بقطع المساعدات عنها، متهماً إياها برفض التفاوض على اتفاق سلام مع إسرائيل، وقال ترامب فى تغريدة على تويتر «نحن ندفع للفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات سنوياً ولا نحصل منهم على أى تقدير أو احترام».
طريقة «البركة الآن أو اللعنة الآن» التى يؤدى بها «ترامب» تدل على اهتزاز موقفه بعد القرار الأحمق الذى اتخذه، فقد اتخذ القرار كخطوة يعقبها عدة خطوات، فإذا به يجد نفسه فى حارة سد، فلا السلطة الفلسطينية رضخت وقبلت استقبال نائبه مايك بنس، ولا العرب والمسلمون تباطأوا عن تسجيل موقف رسمى رافض لقراره فى الأمم المتحدة. كثرة التهديد والوعيد على لسان «ترامب» تدل على حالة «لخبطة» وعجز وجد نفسه فيها بعد القرار، فمن يفعل لا يهدد ويتوعد، بل ينفذ على الأرض، و«ترامب» يعلم أنه يثرثر بكلام ساذج، ويفهم أن ثمن قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية باهظ، وأن إسرائيل هى التى ستدفع الثمن، فوقف المساعدات يعنى ببساطة المزيد من الإحراج للسلطة أمام التيارات والأجنحة الفلسطينية التى ترفع شعار المقاومة ضد إسرائيل، وقد يؤدى إلى أن ترفع السلطة الفلسطينية نفسها نفس الشعار، وهو تحول له نتائج خطيرة على إسرائيل قبل غيرها.
«ترامب» أراد أن يحل المشكلة الفلسطينية بـ«خيالات صبيان» فعقدها أكثر وأكثر، استمع إلى «كوشنر» زوج ابنته إيفانكا الذى حلق بخيال صبى مغرور، واثق فى قدرته على أن يأتى بـ«التايهة»، وأن مثله كمثل الأخير زمانه قادر على الإتيان بما لم تستطعه الأوائل، دعم من إحساس «كوشنر» بأن بإمكانه أن يفعلها بعض الآذان العربية «الصبيانية» التى استمعت له، وحلّقت فى الخيال هى الأخرى إلى أبعد الحدود، فظنت أن بإمكانها إجبار شعوب المنطقة على ما تريد، فيقبل الشعب الفلسطينى بدولة مهلهلة، وترضى الشعوب العربية بأن تصبح القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، الآذان العربية التى استمعت إلى «ترامب» ظنت أن بمقدورها إجبار الشعوب عن طريق الضغط على الحكام واللعب غير النظيف معهم، ولم تفهم أن أى حاكم سيقبل بما يمليه عليه «الصبيان» يعلم أنه ضائع بالضرورة أمام شعبه، وتارك لا محالة لكرسيه.
لم يعد أمام «ترامب» الآن سوى التهديد بقطع المصروف، وسوف يواصل تهديداته، وقد يفعلها فى يوم، لكنه لن يملك أن يفرض تصور «صبيانه» لحل القضية الفلسطينية على الشعوب، لقد جرى «ترامب» وراء «الصبيان»، ومن يعدو بسيارته خلف «صبيان» لا يخلو من لبس «المطبات»!.