الجمهورية
مدبولي عثمان
أين بيت الحكمة يا عرب ؟!
في عام 830 ميلادية طور الخليفة العباسي المأمون "بيت الحكمة" في بغداد . ليكون أول أكاديمية علمية إسلامية تضم مكتبة جامعةپومجمعاً علمياً وأدبياً وداراً للترجمة والنشر . وفكرة هذا المشروع العلمي الكبير تعود الي والده الخليفة هارون الرشيد . واستحضر الخليفة المسلم الذي كان يعي دوره كقائد للمسلمين في دينهم ودنياهم العلماء من كل الأديان والأجناس . فعمل في بيت الحكمة وفقا لما جاء في كتاب الدكتورة فرخندة حسن "نبذه عن تاريخ العلم الذي نبتت بذرته الأولي في مصر" علماء مسلمون ومسيحيون ويهود من العرب والفرس والمصريين والأتراك والأفغان.
وفي بيت الحكمة الذي يعد بداية النهضة العلمية الاسلامية عكف العلماء في ظل الحرية الفكرية علي تجميع كل ما كان متاحا من تراث العلم القديم علي اختلاف مصادره وترجمته الي العربية . ثم قاموا بدراسة واستيعاب مضامين ومفاهيم هذا التراث وزادو علم تحقيقا واكتشافا وتطويرا.
وبعد حوالي 200 عام من إنشاء بيت الحكمة بلغت النهضة العلمية الاسلامية أوجها فحفظت التراث العلمي الانساني . وقدمت الكثير للبشرية. وهي فترة قصيرة في عمر الزمن لدرجة أن المؤرخ العلمي العالمي جور سارتون وصفها في كتابه "المقدمة في تاريخ العلوم" بالمعجزة قائلا : " أن القدرة الابداعية لحضارة عربية وبهذا الحجم في أقل من قرنين من الزمان لا يمكن تفسيرها الا بالمعجزة ".
وتقول د. فرخندة في كتابها القيم ص 106 : "قسم سارتون تاريخ العلم الي عصور كل منها 50 عاما ونسب كل عصر الي ابرز علمائها . وعلي مدي 7 عصور متتالية نسبها كلها الي سلسلة لا تنقطع من العلماء المسلمين . فخصص النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي عصرجابر بن حيان. والنصف الاول من القرن التاسع عصر الخوارزمي. والنصف الثاني من القرن التاسع عصر الرازي. والنصف الاول من القرن العاشر عصر المسعودي. والنصف الثاني من القرن العاشر عصر ابو الوفا. والنصف الاول من القرن الحادي عشر عصر البيروني. والنصف الثاني من القرن الحادي عشر عصر عمر الخيام" واختتم سارتون تأريخه للنهضة العلمية للمسلمين بقوله : "أسهم العلماء المسلمون في تطوير الحضارة التي بلغت قمتها عندهم في وقت العصور المظلمة في أوروبا".
استدعي هذا التاريخ المشرق للمسلمين والعرب كيف نضع تفسيرا لحاضرنا المظلم حيث تتداعي علينا الأمم. مؤكدا أنه ليس للتباكي علي ما مضي . أو الاستمرار في "النوم في العسل" مكتفين بسرد التاريخ المجيد للأجداد . ولكن بهدف فهم الواقع وكيفية الخروح منه پمستفيدين من دروس الماضي .
ومن هذا المنهج أطرح سؤالا علي كل العرب : أين بيت الحكمة الآن ؟! بل بالأحري أين بغداد؟! بل أين العراق كله؟! انه يخضع للسيطرة الايرانية التي تعمل علي استعادة الامبراطورية الاستعمارية الفارسية . فقد انهت معركة القادسية تحت قيادة سعد بن أبي وقَّاص سنة 14هـ المُوافقة لِسنة 636م احتلال الفرس للعراق . وبعد حوالي 8 سنوات بالتحديد عام 23هـ المُوافقة 644م سيطر العرب المسلمون علي الإمبراطوريَّة بالكامل.
ومن يومها لم يعيش الفرس حلم استعادة الامبراطورية الفارسية والانتقام من العرب. ويجسد الباحث العراقي صلاح المختار هذا الحلم بقولة في دراسة تاريخية : "الفارسي المتطرف يحن لإحياء مجد الأجداد ويكره من حطم ذلك المجد وهم العرب . ويغتنم كل فرصة لإحياء الامبراطورية. وهي عملية تعني تحديدا إلغاء الآخر وبالاخص الأمة العربية وباخضاعها وتذويب ثقافتها وهويتها". وكشف المختار خطتهم لاستعادة الهيمنة الاستعمارية في دراسته التي نشرتها شبكة البصرة قائلا :" وفي إطار تقسيم الادوار بين نخب الفرس. في مواجهة الدولة العربية الاسلامية. اندمج البرامكة ووصلوا ذروة التاثير والنفوذ في العصر العباسي وامتلكوا ثروات هائلة. ومع ذلك كان الهاجس القومي قويا ومتحكما فيهم ولذلك كان اندماجهم عبارة عن خطة لتفتيت الدولة من الداخل. فحاولوا إحتواء الخلافة لصالح الفرس بيد من حرير. وفي نفس الوقت كان دور بابك الخرمي أن يقاتل الدولة العباسية من خارجها لمدة 20 عاما لاستنزافها من أجل مجد فارس ".
ومن هنا يمكننا تفسير التدخل الايراني العسكري في العراق ولبنان وسوريا واليمن . ومحاولاتها زعزعة استقرار دول الخليج العربية. فهل يعي العرب الدرس . ويسعون للحفاظ علي وجودهم وهويتهم بالعلم والعمل كما فعل أجدادهم؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف