رجائى عطية
نعم.. لا طائفية فى مصر ولن تكون (5)
رغم أنف القتلة الإرهابيين المتآمرين على مصر وشعبها، وأسانا العميق على الضحايا، ورغم أنف الأصوات النشاز المقبلة من الكونجرس والولايات المتحدة لاستغلال معيب للظروف الصعبة التى تواجهها مصر وحدها لصد جرائم الإرهاب لينضم هذا النشاز إلى الإرهاب لضرب إسفين فى وحدة الجماعة الوطنية، وبعثرة الشعب والبلاد!
ما كدنا نكفكف أحزان قتل أكثر من ثلاثمائة من المصلين المسلمين فى مسجد الروضة ببئر العبد فى 24 من نوفمبر الماضى، حتى استهدف القتلة الإرهابيون رواد كنيسة «مارمينا» فى حلوان، وراح ضحية الهجمة الإرهابية تسعة من المسيحيين غير المصابين.
ولا يخطئ عاقل أن هذه الهجمات ليست طائفية، إنما إرهابية، تضرب فى المصريين، بغرض بث الفرقة وضرب وحدة الأمة وإشعال حرب أهلية وتفتيت مصر!
ولن يوقفنى ذلك عن المضى فى إثبات أنه لا طائفية فى مصر، ولن تكون.
وهذا لا يعنى عدم وجود مشاكل، ولكنها مشاكل نواجهها معاً، مسلمين وأقباطاً، مردها إلى جنوحات المتطرفين والعقول المتجمدة أو المغيبة، أما الإرهاب فلا يختلف أحد على أن هدفه هو تقويض مصر، وأن الضرب فى الأقباط أو المسلمين، يأتى فى إطار المحاولات المغرضة المستميتة لبث الفرقة، لهدم الوحدة الوطنية وتقويض البلاد!
ورغم هذا المخطط الخبيث، فإنه لا طائفية فى مصر، ولن تكون..
الحضور القبطى فى نقابة المحامين
من آيات التوحد المصرى أنه رغم الأغلبية العددية الكبيرة للمسلمين فى نقابة المحامين فإنهم انتخبوا نقيبهم من المحامين الأقباط العديد من المرات، فانتخب «مرقص حنا» نقيباً للمحامين خمس مرات متتالية من سنة 1918، ثم انتخب للمرة السادسة سنة 1925/1926، وانتخب «مكرم عبيد» نقيباً للمحامين فى ثلاث دورات متتالية اعتباراً من سنة 1934، وانتخب «كامل صدقى» وكيلاً لنقابة المحامين تسع مرات، ومثّل مصر فى الوفد البرلمانى الدولى عامى 1928، و1930، ثم انتخب نقيباً للمحامين سنة 1937، ثم أُعيد انتخابه عدة دورات متتالية اعتباراً من سنة 1941، وكان وكيل النقابة من المحامين الأقباط بصفة شبه دائمة إلّا فيما ندر، ولم يخلُ مجلس من مجالس نقابة المحامين عدا مجلس واحد من المحامين الأقباط.
كان الأستاذ مرقص حنا نقيباً للمحامين عندما شبت ثورة 1919 التى كان للمحامين دور بارز فيها، وبقيادة النقيب مرقص حنا الذى كان له مواقف عديدة مشهودة.
وكان للمحامين المسيحيين حظ وافر فى النهضة العلمية القانونية، وهم أول من أنشأ المجلات القانونية: الحقوق للأستاذ إميل شميل، والأحكام للأستاذ نقولا بك توما، والمحاكم للأستاذ يوسف بك آصاف، وبرز من المحامين على مدار التاريخ محامون أقباط عظام، كأمثال الأساتذة مرقص حنا، وتوفيق دوس، ومكرم عبيد، وفى وقتنا الحاضر الأستاذ الكبير لبيب معوض.
وقد شغل كثيرٌ من الزملاء المسيحيين عضوية مجالس نقابة المحامين فى العهود المتتالية، وترى اليوم الأستاذ ماجد حنا والأستاذ ممدوح رمزى يملآن الدنيا نشاطاً بالنقابة، وترى النقابة وقد دفعت بعضوها ماجد حنا ليكون عضواً عنها فى اتحاد المحامين العرب، وترى الأستاذ الكبير لبيب معوض (أطال الله فى عمره) يملأ المحاكم وتتسابق الصحف فى بث أخباره.
ولم تكن هذه سمة طارئة، فقد كان هذا هو الشأن منذ إنشاء نقابة المحامين سنة 1912، فإلى جوار النقباء مرقص حنا ومكرم عبيد وكامل صدقى، ظل أستاذنا المرحوم اسطفان باسيلى وكيلاً شبه دائم لنقابة المحامين حتى رحيله، ورأينا فى عضوية مجالس النقابة الزملاء المسيحيين منذ انتخاب أول مجلس سنة 1912/1913، ومنهم من تكرر انتخابه وشغل العضوية فى عدة مجالس، ومن هؤلاء تمثيلاً لا حصراً، الأساتذة الكبار مرقص حنا العضو الدائم إلى أن انتُخب نقيباً، وإسكندر عمون، وإدوار قصيرى، وصليب سامى، وسليم رطل، وراغب إسكندر، وسلامة ميخائيل، وكامل صدقى، إلى أن انتُخب نقيباً، وإبراهيم رياض، وميخائيل غالى، وسابا حبشى، ويواقيم غبريال، وغبريال سعد، وهكذا تباعاً حتى وصلنا إلى جيل الأساتذة اسطفان باسيلى وراغب حنا وغيرهما مما يضيق الحيز عن ذكرهم.
الأدوار المتعددة للمحامين الأقباط والمسلمين فى الحركة الوطنية
وكان للمحامين، المسلمين والأقباط، دورٌ رشيد فى محاصرة بوادر الفتنة إثر مقتل بطرس باشا غالى، لأسباب سياسية لا دينية، مثلما كان دورهم الحاضر فى ثورة 1919، فكان واصف بطرس غالى، وويصا واصف، وسينوت حنا، وجورج خياط، وميشيل لطف الله، من أعضاء الوفد الأوائل، ومن قياداته التاريخية الأستاذ فخرى بك عبدالنور، صاحب المذكرات الضافية عن ثورة (1919)، والجد الأكبر للأستاذ الصديق منير فخرى عبدالنور، وكان سعد زغلول يطلق على الأستاذ فخرى عبدالنور أنه «فارس الوفد»، و«مؤرخ الوفد»، و«قاموس الوفد»، و«الوطنى الغيور».
وظهر من خطباء ثورة 1919 الذين حملوا مع المسلمين شعلة الكفاح الوطنى «الأنبا لوكس» الذى كان يعظ على منبر الكنيسة القبطية، والقس «إسحق» الذى كان يعظ على منبر الكنيسة الإنجيلية، فضلاً عن الدور البارز للمحامين الأقباط فى الحركة الوطنية، ومما يذكر أن الأستاذ مكرم عبيد سكرتير المستشار القضائى آنذاك حرر مذكرة بالإنجليزية إلى المستشار، ونقلها للعربية الأستاذ محمد لبيب عطية سكرتير عام النيابة العامة وقتئذ، وأورد نصها «عبدالرحمن بك فهمى» فى مذكراته، وبلغت عشر صفحات من القطع الكبير، فى الوقت الذى اضطلع فيه بالدعاية للقضية المصرية فى فرنسا الأستاذان واصف غالى وويصا واصف، وكان «كامل جرجس عبدالشهيد»، طالب الحقوق والمحامى فيما بعد، وأنيس سليمان، وقرياقص ميخائيل، ومنير جرجس عبدالشهيد، ضمن المتهمين فى القضية التى عُرفت باسم «قضية عبدالرحمن فهمى»، وهى القضية التى نسبت إليهم فيها سلطات الاحتلال فى مايو 1920 أنهم أعضاء فى جماعة باسم «جمعية الانتقام» تستهدف قلب الحكومة الموالية للإنجليز والتحريض على العصيان.
وحينما تشكل الوفد الرسمى برئاسة عدلى يكن لإجراء المفاوضات، كان فيهم الأساتذة الأقباط توفيق دوس، وإلياس عوض، بل واليهودى يوسف قطاوى باشا الذى شغل لاحقاً مناصب فى الوزارة.
وضمت لجنة وضع الدستور (1923) كلاًّ من الأساتذة توفيق دوس، وإلياس عوض، واتصلت هذه المساهمات بلا أى حساسيات بأول وزارة يشكلها سعد زغلول سنة (1924)، فى أعقاب الفوز الساحق للوفد فى الانتخابات.. اختار يومها إلى جواره، ضمن الوزراء التسعة، القبطيين: الأستاذ المحامى «مرقص حنا» (بك/ باشا) وزيراً للأشغال العمومية، والأستاذ المحامى «واصف بطرس غالى» (أفندى/ باشا)، وزيراً للخارجية، وصمم سعد زغلول على اختياره رغم المعارضة الشديدة للملك فؤاد الأول.
فى البرلمان
من المعروف أن الأستاذ «ويصا واصف» كان من سلسلة العقد الفريد الذى تولى رئاسة مجلس النواب، ومن مشاهير أعضاء مجلس الشيوخ الأساتذة عازر جبران، وكامل صدقى، وعزيز ميرهم، وإدوار قصيرى، وإلياس عوض، وحبيب دوس، وشهدى بطرس، وصليب سامى، ووهيب دوس، وميشيل رزق، ومراد وهبة، وغبريال سعد، وسلامة ميخائيل.
ومن مشاهير أعضاء مجلس النواب الأساتذة مرقص حنا، وعزيز أنطون، وسلامة ميخائيل، وويصا واصف الذى صار فيما بعد رئيساً للمجلس، وراغب إسكندر، ومكرم عبيد، ورياض المصرى، وغالى إبراهيم، وتوفيق دوس، وإبراهيم ممتاز، وشهدت الهيئة النيابية الرابعة لمجلس النواب حضوراً كثيفاً للمحامين الأقباط فى عضوية المجلس. منهم الأساتذة مرقص حنا، ومكرم عبيد، وسلامة ميخائيل، وعزيز أنطون، وميخائيل غالى، وويصا واصف، وراغب إسكندر، وغالى إبراهيم، وتواصل الحضور فى الدورات المتتالية، فرأينا توفيق دوس، ووهيب دوس، معاً فى الهيئة البرلمانية الخامسة لمجلس النواب، وليون صبرى ويصا، ولطيف نخلة، ثم كامل صدقى مرة أخرى، وعزيز أنطون، وفريد إبراهيم جرجس، وأنطون جرجس، وعازر جبران، وسابا حبشى، ومكرم عبيد العضو شبه الدائم بالمجلس، وعزيز مشرقى.
أما العضوية، سواء فى مجلس الشعب والشورى، أو مجلس النواب الآن، فإنها معروفة، ولعل من أشهر الأساتذة الأقباط فى مجلس الشورى الأستاذ فكرى مكرم عبيد، وقد زاملت فى المجلس عديدين منهم.
ومن الغريب أن يأخذ البعض على الدولة أنها تلجأ فى التعيين المسموح به لعشرة أعضاء، بتعيينهم جميعاً أو تسعة منهم من الأقباط، لتعويض انحيازات الانتخابات التى طرأت علينا بفعل المتعصبين، ويُحْمد للدولة أنها حريصة على التوازن والحضور القبطى فى البرلمان، وأن ما يفوت الانتخابات، ولا سلطان لها عليها، تسارع بتداركه من خلال حصة التعيين.
أجل؛ لا طائفية فى مصر، ولن تكون، وآمل أن يتصل الحديث لأحدثكم عن تجربة شخصية فى دفاعى عن المتهم المسيحى وعن المسيحيين، فيما عُرِفَ بقضية الكشح بمحافظة سوهاج.