مع الوقت تترسّخ لدىّ قيمة مهمة، وهى احترام الاختلاف من خلال الانتباه والإنصات لآراء الآخرين. الإنصات فن ومهارة ليست سهلة، ولا يتقنها إلا من سعى لاتساع مداركه ورحابة فكره.
إن كان فكرك قوياً ورأسك يعمل بطريقة ترضى عنها وطريقة تفكيرك منظمة وتعلم تماماً ما محركك وما هدفك بالحياة، فسوف يسهل عليك الإنصات والاستماع والتفكير بآراء الآخرين ومحاولة تفنيدها، دون تعصّب أو توتر أو مبالغة أو حتى مصادرة.
تلك الآراء الخلافية بين البشر ربما كانت آراءً فكرية فلسفية أو أخلاقية سلوكية، وربما أيضاً كانت سياسية أو دينية عقائدية! أياً كانت مباعث الخلاف والاختلاف، يجب أن تُنصت إلى الآخر باهتمام واحترام، احترام حقيقى ليس معناه تمرير الكلمات وتجاوزها، تمريراً للموقف، بل احترام يسعى لتقريب وجهات النظر وتقليل مساحات الاختلاف، وإن وصلت إلى نقطة استحال التفاهم عندها، أيضاً لا تُصعّد ولا تُعقّد الأمور، اترك لنفسك وللمختلف معه مساحة للتفكير والتراجع والتواصل، دون إرباك وعراك.
واعلم أنه لأى وجهتى نظر مختلفتين نقاط تلاقٍ وجسور اتفاق، استعن بهذه النقاط المتّفق عليها لتعبر شاطئ الاختلاف بأمان دون أن تخسر أحداً أو تخسر مواقف أو تخسر وقتاً يضيع فى مهاترات لا طائل منها.
الاختلاف ليس سلبياً على الإطلاق وإلا كنا جميعاً بذات التفكير والمنهج والاعتقاد. إلا أن الخلاف والاختلاف يولّد التنوع والتكامل ويحفّز على البحث الدائم والنقاش والتفكير وإعمال العقل وتدريب الروح وتبادل المهارات والثقافات.
الاختلاف إن حكمته الأخلاق ونظمته، تحول إلى مباراة ممتعة، بها إرسال واستقبال، وعند الاختلاف حذار من العناد والتشبّث بالرأى، فالصلافة والقسوة وسد الأذن وإغلاق الروح دليل على فقر وضعف صاحبه وعدم مقدرته على الإقناع أو توضيح رؤيته.
عندما تستمع إلى حوارات ونقاشات المختلفين فكرياً واجتماعياً أو سياسياً وتراهم لا يلتزمون آداب احترام الاختلاف، لا يسعك وقتها إلا أن تصفهم بالمتخلفين، متخلفون عن الحضارة والإنسانية والنظام، وعندما ترى مصادرات معتنقى الديانات على المختلفين معهم عقائدياً فإنك تتمنّى أن يتحلى الجميع بآداب الاختلاف والوقوف عند حريات الآخرين، وعدم الإصرار على إنكار الآخر ورفضه بل وطرده من مظلة الايمان. عندما يتعلق الأمر بالآراء ووجهات النظر فاحترام الاختلاف يجب أن يضمنه القانون ويقره العرف، أياً كان نوع اختلافك، ما دمت داخل حدود وضوابط القانون والآداب العامة.
لكل الأفعال والأقوال آداب وأخلاق، إن تمسّكنا بها أدينا رسالتنا الآدمية بالإعمار بسلام ومحبة ونجاح واجتزنا هذه الدنيا بسلام يحتاجه الجميع وإن اختلفنا!!