الأهرام
عطية عيسوى
استدعاء مفاجئ وتسريب مريب
استدعاء السودان سفيره بالقاهرة للتشاور لن يتطور إلى قطيعة كاملة بين البلدين إذا احتوى الطرفان الوضع بسرعة، فليست هذه المرة الأولى التى بلغ فيها التوتر وإطلاق التصريحات والحملات الإعلامية المؤلمة هذا المستوى، وكان الهدف فيما يبدو الرد بخطوة لافتة على ما نقلته وسائل إعلام سودانية عن مصادر إثيوبية من أن مصر اقترحت على إثيوبيا استبعاد الخرطوم من مباحثات سد النهضة، والشروع فى مباحثات ثنائية تحت إشراف البنك الدولى للخروج من حالة الجمود التى وصلت إليها مباحثات اللجنة الفنية الثلاثية رغم نفى مصر ذلك رسمياً، وكذلك على هجوم الإعلام المصرى على الخرطوم لتسليمها جزيرة سواكن الإستراتيجية فى البحر الأحمر لتركيا لاستغلالها ربما لإقامة قاعدة عسكرية تضر بالأمن القومى المصرى مع أن المسئولين المصريين آثروا الصمت لمنع صب الزيت على النار.

فإذا كان ذلك كذلك فمن المرجح أن يعود السفير إلى القاهرة قريباً بعد أن تكون الخطوة قد حققت أهدافها ــ بصرف الانتباه عن تذمر رجل الشارع السودانى من ارتفاع الأسعار الرهيب ــ خاصة فيما يتعلق بتوضيح موقف الخرطوم من القضايا التى تهم البلدين، فضلاً عن استحالة القطيعة بين مصر التى على أرضها نحو ثلاثة ملايين سودانى وكانت دائماً نصيراً للسودان فى كل أزماته وبين السودان الذى يُعتبر عنصراً مهماً فى أمنها من ناحية الجنوب، وشرياناً وحيداً تتدفق عبره مياه النيل ومصدراً غذائياً هائلاً لما يحتاجه البلدان لو حدث التعاون الاستثمارى والتقنى المنشود فى مجالى الزراعة وتنمية الثروة الحيوانية بالأراضى السودانية. فليكُّف الطرفان عن إذكاء النيران وستنطفىء بمرور الوقت حتى وإن بقيت القضايا المختلف عليها بلا حل إلى حين.

ولا يخلو ما سربته مصادر إثيوبية عن أن مصر طلبت استبعاد السودان من مفاوضات سد النهضة من محاولة لتوتير العلاقات المصرية ــ السودانية أكثر، وتوسيع هوة الخلاف بين القاهرة والخرطوم بالقدر الذى يدفع الحكومة السودانية للانحياز التام إلى أديس ابابا فى المباحثات وإضعاف موقف القاهرة التفاوضى. فليس من المعقول تجاوز طرف أساسى يَعنيه ما يتعلق بالسد سلباً أوإيجاباً من المفاوضات، وما يؤكد عدم صحتها ما أعلنته وزارة الرى السودانية من أنها لم تتلق أى إخطار رسمى بطلب الاستبعاد، وكلما بعُدت الشُقَّة بين البلدين ازدادت إثيوبيا تعنتاً فى المفاوضات وهو ما يتطلب الحذر.

ــ وعما يجرى فى إثيوبيا أعلن رئيس الوزراء هيلا مريام ديسالين فى تطور مفاجئ أنه سيتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإغلاق سجن ميكلاوى سيىء السمعة فى خطوة رحبت بها منظمات حقوق الإنسان بحذر قائلةً إنها يمكن أن تكون مؤشراً على نهاية ما وصفته بحقبة من القمع الدموى إذا تم التحقيق بفعالية فى كل قضايا التعذيب وتقديم المسئولين عنها للعدالة. وقال إن الهدف هو تحسين حالة التوافق الوطنى، وتوسيع الحوار الديمقراطى وإنه سيتم تبرئة سياسيين والإفراج عنهم وإسقاط التهم عمَّن صدرت بحقهم أحكام وعمَّن لايزالون قيد الملاحقة القضائية.

غير أن ديسالين لم يحدد عدد السياسيين المعنيين، أو متى سيتم الإفراج عنهم وما إذا كان العفو سيشمل آلاف الذين تعتبرهم منظمات حقوق الإنسان معتقلين سياسيين حيث قدَّرت عددهم بنحو ألف محكوم عليهم وحوالى 5000 مازالوا قيد المحاكمة منذ اعتقالهم خلال وبعد احتجاجات أبناء عرقيتى الأورومو والأمهرا بين عامى 2015 و2017 للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية وللدفاع عن حقوقهم التاريخية فى أراضيهم وهى احتجاجات لم تشهدها البلاد منذ 25 عاماً اعتُقل بسببها 21 ألفاً تم الإفراج عن حوالى ثلثيهم لاحقاً.

ولأن الحكومة لم تحدد مَن هو المعتقل السياسى, فمن الممكن أن يبقى كثيرون من المعتقلين خلف القضبان بدعوى أنهم محكوم عليهم بتهم جنائية، فضلاً عن أن بعضهم معتقلون بتهمة أن لهم علاقات بجماعات إرهابية، وإذا حدث ذلك فسوف يتم تفريَغ القرار من مضمونه ولن يتحقق التوافق الوطنى خاصةً إذا تم الإبقاء على قادة سياسيين معارضين من عرقيتى الأورومو والأمهرا أكبر عرقيتين فى إثيوبيا، وعرقية الإثيوبيين من أصل صومالى فى إقليم أوجادين داخل المعتقلات.

لقد اعترف ديسالين بالحاجة لإحداث تغيير وبأن الإفراج عن المعتقلين السياسيين أمر حيوى لحوار وطنى، لكن منتقديه يقولون إنه على العكس مما يصرح به يضيق ذرعاً بالمعارضة. كما أن جماعات حقوق الإنسان التى اتهمت الحكومة مراراً باستخدام قوانين مكافحة الإرهاب للزج بمنتقديها فى السجون وباستخدام أجهزة الأمن والقضاء لقمع المعارضين السياسيين واعتقالهم وتعذيبهم طالبت بتحول حقيقى، وحذرت منظمة العفو الدولية من أن إغلاق معتقل ميكلاوى الذى اشتهر بتعذيب المعتقلين داخله لانتزاع اعترافاتهم يجب ألاَّ يتم استغلاله لتبييض وجه النظام.

الإفراج عن المعتقلين السياسيين خطوة مهمة لتهدئة النفوس وتهيئة الأجواء لحوار وطنى يحقق الوفاق والسلام فى بلد عُرِفَ بأنه متحف سلالات بشرية حية لكثرة وتنوع عرقياته، لكنه يحتاج لحكمة ونية خالصة فى تنفيذه بلا استثناءات أو تحايلات ولعدم التفريق بين أبناء العرقيات فى الحقوق والواجبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واحترام عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم الخاصة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف