الأهرام
قداسة البابا تواضروس الثانى
الميلاد ونداء الطفولة
تهل علينا كل عام بداية جديدة لسنة ميلادية تحسب فى عمر الزمن منذ ميلاد السيد المسيح فى تلك القرية الصغيرة بيت لحم باليهودية بأرض فلسطين حيث تحققت عدة نبوءات ذكرت فى العهد القديم ومن أشهرها.

> تم ما قيل بالنبى: هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل (متى 1: 22 و 23) (أشعياء 14:7)

> قال الكتبة ان المسيح يولد فى بيت لحم اليهودية، لأنه هكذا مكتوب أن المسيح يولد فى بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء إسرائيل.

(متى 2: 5 و 6) (مينا النبى 2:5)

حادثة قتل أطفال بيت لحم قيل: »حينئذ تم ما قيل بارمياء النبى القائل: صوت سمع فى الرامه، نوح وبكاء وعويل راحيل تبكى على أولادها«. (متى 2: 17 و 18) (أرميا 31: 14 و 16) عاد السيد المسيح من مصر بعد موت هيرودس الملك، لكى يتم ما قيل بالنبى القائل: »من مصر دعوت ابنى«

(متى 2:15) (هوشه 1:11) وسكن فى الناصرة »لكى يتم ما قيل بالأنبياء انه سيدعى ناصريا »متى 23:2:).

وفى كل عام نعيش أحداث قصة ميلاد السيد المسيح ونبحث عن رسالة العيد فى هذه السنة؟! إنها رسالة تصلح لنا جميعا وهى نداء الرجوع إلى «الطفولة».

تقدم الإنسان فى حياته منذ خلقته وتكاثره وصنع الحضارات والثقافات وقدم الأفكار والاختراعات مع الاكتشافات والنظريات وامتد هذا المخلوق الإلهى ليتخلى عن إنسانيته عندما قبل الخطية وكسر الوصية الإلهية ودخل فى صراعات فردية ومجتمعية وعالمية وعاش فى فكر العظمة والسيادة وأفضلية جنس على جنس وشعب على شعب وأمة على أمة وانتشرت الحروب الصغيرة والكبيرة هنا وهناك، وظهر العنف بكل اشكاله ومستوياته والاضطرابات المتعددة.. إلى آخر هذه الدوامة التى تعصف بالحياة الإنسانية؟! ويأتى التساؤل: وما الحل؟! وكيفية الخروج من هذه الأزمة الطاحنة فى حياة البشرية؟.

اعتقد أن ميلاد السيد المسيح والاحتفالات المبهجة التى تملأ العالم والتقاليد الجميلة المصاحبة مثل شجرة الميلاد ومغارة الميلاد والمذود الصغير والطفل الوليد وزيارات الرعاة .وهدايا المجوس وتسابيح الملائكة

.. كل هذه ما هى إلا نداء سنوى للبشر (ارجعوا إلى طفولتكم) أى عيشوا ملامح الطفولة فى حياتكم اليومية لتستمتعوا بكل يوم فى العمر فإن أيام الطفولة هى أسعد أيام حياتنا بكل ما تحمله من مشاعر وملامح نراها متجسدة أيضا فى شخصيات الميلاد المجيد.

لقد عاد السيد المسيح فى أثناء خدمته الجهادية وأكد أن «قامة الطفولة» هى قامة الملكوت حين قال لتلاميذه »إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد لن تدخلوا ملكوت السموات« (متى 3:18). وهذا هو بالضبط ما نراه فى شخصيات وأحداث ميلاد المسيح، وقد اخترت فقط خمسا من صفات الطفولة نراها واضحة فى الأحداث.

> البساطة وهى صفة أساسية فى حياة الطفل ونراها واضحة فى حياة الرعاة البسطاء الذين رأوا الملاك الذى يبشرهم بالميلاد الإلهى قائلا: «ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. قد ولد لكم اليوم (لوقا 10:2)

لقد انطلقوا فى بساطتهم نحو المذود حيث حياتهم البسيطة وعملهم أيضا البسيط »لم يكن لهم إقامة ثابتة أو محددة لأنهم رحل من مكان لمكان ولذا لم يحملوا بطاقات هوية. وكذلك لم نعرف أسماءهم كناية على أن المجتمع لم يكن يعرفهم.

هكذا الأطفال لهم صوت ولكن يعيشون فى بساطة وكثيرا ما يكون الكبار سببا فى إفساد بساطة الصغار.

الإيمان والتصديق وذلك واضح فى الزوجين زكريا الكاهن واليصابات زوجته. لقد كانا بلا نسل وانتظرا طويلا وكانت العاقر فى العهد القديم محل اتهامات كثيرة أقلها أن الله لا يرضى عنها.. وعاشا المأساة ولكن فى صلاة متواترة وإيمان قلبى رغم أن الشواهد الطبيعية تنفى حدوث أى حمل.. وفى الوقت المناسب حملت اليصابات التى قالت «نزع عارى من بين الناس» (لو ا: 25)

الطفل الصغير يصدق كل شىء وله قدرة خيال بلا حدود وهذه النفوس الصغيرة تعيش إيمانا قويا فى الأب والأم والكبار بصفة عامة كما فى الله تماما.

أين الإيمان الآن وموجات الالحاد تضرب فى قطاعات وقطاعات ليفقد الإنسان إيمانه أو يقينه فى الخالق والخليقة.

لا يستطيع الإنسان أن يشعر بإنسانيته دون الإيمان فهو أحد الحاجات الأساسية لكيانه ووجوده، فكما يحتاج الإنسان الحاجات الجسدية والنفسية والعقلية والاجتماعية، يحتاج أيضا الحاجات الروحية التى تمثل فى المطلق أى الله وفى من يغفر له خطاياه وفى الخلود والحياة ما بعد الموت.

النقاوة والطهارة كما نراها فى شخصية القديسة مريم العذراء وخطيبها يوسف التجار حارس سر التجسد الالهى. إن القديسة مريم العذراء كما ندعوها فخر جنسنا البشرى حيث قدمت لنا أعلى مثال فى النقاوة القلبية وفى الطهارة السلوكية. حياتها المقدسة التى أعلنها لها الملاك »مباركة أنت فى النساء« (لوقا 28:1).

الاتضاع واضح فى جماعة المجوس الذين كانوا حكماء يعملون بالفلك وعلوم النجوم ولهم مكانة الملوك فى مجتمعاتهم. ورغم ذلك تكبدوا مشقة السفر من بلاد الشرق حيث العراق وإيران باحثين عن »ملك اليهود« الذين عرفوا ميلاده من ذلك النجم العجيب. كان الاتضاع دافعهم القوى فى الوصول إلى أورشليم بحثا عن مولود المزود.. وتقابلوا مع هيرودس الملك (متى 3:2) وانصرفوا إى حيث المسيح ليقدموا هداياهم الجميلة من الذهب واللبان والمر. وقبل ذلك قدموا السجود (متى 11:2) والأطفال رغم مكانتهم الغالية عند الله، إلا أنهم يعيشون الطاعة والاتضاع الجميل الذى يجعل حياتهم جميلة.

الفرح وهذا نراه فى الملائكة الذين ظهروا وأنشدوا أنشودتهم الخالدة وقت الميلاد »المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة« (لو 14:2) كان التسبيح أحد مظاهر فرحهم.

وهكذا الأطفال تسودهم حالة الفرح الدائم مع التسبيح والترنيم والموسيقى. أنهم يهتزون لمجرد سماع الموسيقى وعندما تنظر ابتسامة طفل تشعر بسعادة وافرة أما نحن الكبار فيجب أن نتعلم من الصغار مقدار الفرح الذى يمنحونه لنا.. وجود الأطفال معا سواء فى اللعب أو الغناء أو أداء أى مشهد تمثيلى بسيط تشعر بمقدار السعادة التى يعيشونها ويقدمونها لنا. لنجعل حياتنا مفرحة وتكون سبب فرح لمن حولنا. هذه الصفات الخمس: البساطة ـ الإيمان ـ النقاوة ـ الاتضاع ـ الفرح تمثل معالم عالم الطفولة التى نحن مدعوون لتكون حياتنا بهذه الصورة التى تجعل وجودنا البشرى سعيدا مفرحا وإنسانيا اجتهد أيها الحبيب أن تعيش هذه الصفات التى تمثل نداء الطفولة لنا ونحن نحتفل بمولود المذود فى كل عام.

ومما يزيدنا سعادة فى هذا العام أن يفى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية بالوعد الذى قدمه ليلة عيد الميلاد 2017 فى بناء مسجد وكنيسة فى العاصمة الإدارية الجديدة والتى ستصير عما قليل من السنوات فخر مصر وأبهى من كثير من العواصم العالمية.

وهنا نحن مع سيادته نفتتح المرحلة الأولى ونصلى ليلة عيد الميلاد فى كاتدرائية »ميلاد المسيح« أو »كاتدرائية الكريسماس« مقدمين الشكر لله أولا وأخيرا وإلى السيد رئيس الجمهورية والحكومة المصرية والقوات المسلحة والهيئة الهندسية بها مع جميع المكاتب المعمارية والإنشائية ومهندسى التنفيذ والفنيين والعمال مع قوات الشرطة الوطنية وجميع الأجهزة المعنية التى تسهم فى هذا الانجاز العظيم الذى يكشف إرادة المصريين ويقدم رسالة مصر الجديدة التى تتطلع للمستقبل بكل قوة وثبات.

ليحفظ الله بلادنا وكل شعبها العظيم وليعط لنا السلام الكامل مع جميع الشعوب المحبة للسلام متذكرين دماء شهداء الوطن والكنيسة ومصلين من أجل المجروحين والمصابين وكل عام والجميع بخير وسلام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف