يقول العالمون بشأن التاريخ المصرى السيادى الحديث والمعاصر إن مجلس الشعب فى أواخر عهد الزعيم المؤمن محمد أنور السادات كان قد أعد قراراً بمنح الرئيس المذكور لقب «سادس الخلفاء الراشدين»، وإن هذا القرار لم يخرج للنور بسبب رحيل السادات فى حادث المنصة قبل بدء الدورة الجديدة للمجلس. ويقال أيضاً إن الأستاذ حافظ بدوى، رئيس مجلس الشعب آنذاك، هو صاحب الفكرة وصاحب صياغة القرار، وإنه كان قد صاغ القرار بحيث يضع السادات فى مرتبة «خامس الخلفاء» بعد أبى بكر وعمر وعثمان وعلى (رضى الله عنهم)، ولكن السادات رفض وطلب إضافة عمر بن عبدالعزيز فى المركز الخامس بدلاً منه على أن يكتفى هو بالمركز السادس!!
وفى نهاية الفترة الثانية من عهد الزعيم المزمن محمد حسنى مبارك قال السيد الرئيس إنه ينوى احترام الدستور والاكتفاء بالفترتين اللتين قضاهما رئيساً للجمهورية، وقال إنه يرغب فى الحصول على فترة من الراحة والهدوء بعيداً عن أعباء المنصب الرئاسى، صحيح أن سيادته لم يقل هذا الكلام فى بيان رسمى، ولكن هذا ما تم تسريبه للناس فى ذلك الوقت. وسرعان ما تحركت الدولة المصرية للحفاظ على زعيمها. وخرج الدكتور أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، فى موكب نقلته كاميرات التليفزيون على الهواء، واتجه سيادته من مقر المجلس إلى منزل حسنى مبارك، وحين سمح له أهل البيت بالدخول وقف فى انتظار السيد الرئيس، وقدم له وثيقة وقعها السادة النواب بدمائهم وأرواحهم، وكتبوا فيها التماساً للزعيم حسنى مبارك بمواصلة مشوار الرئاسة والزعامة والريادة مبايعين إياه مدى الحياة رئيساً وزعيماً وقائداً لهذه الأمة الصابرة المناضلة!!
وفى عهد الزعيم محمد حسنى مبارك حقق الأستاذ سمير رجب فتوحات غير مسبوقة فى تدشين صحافة النفاق والأونطة. وكان هذا الصحفى العبقرى يكتب كل يوم عدة مقالات وأعمدة صحفية فى الجرائد اليومية والأسبوعية وفى المجلات الاجتماعية والفنية والرياضية والدينية التى تصدرها دار التحرير، وكانت كل هذه المقالات تدور حول فضائل وأفضال وإنجازات السيد الرئيس. ففى «الجمهورية» يكتب عن الأداء السياسى العبقرى لحسنى مبارك، وفى «المساء» يكتب عن العمل الدائب للسيد الرئيس آناء الليل وأطراف النهار، وفى «حريتى» يكتب عن الازدهار الإعجازى للحرية فى عهد السيد الرئيس، وفى «عقيدتى» يكتب عن الورع الدينى للسيد الرئيس وكيف يرفع شأن الإسلام كل يوم وكل ساعة، وفى «الكورة والملاعب» يكتب عن الأيادى البيضاء للسيد الرئيس فى المجال الرياضى وكيف تحصل الفرق المصرية على البطولات بفضل «الومضة الرياضية» التى يملكها مبارك وعلاء وجمال!!
وفى مقال تاريخى للأستاذ سمير رجب خلال إحدى رحلاته مع مبارك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بكى الكاتب الكبير وأبكى معه السادة القراء وهو يصف المعاناة الرهيبة التى يتعرض لها حسنى مبارك بسبب فارق التوقيت بين مصر وأمريكا، حيث تختل الساعة البيولوجية للزعيم حين يترك مصر فى المساء ثم يصل إلى أمريكا فيجد أنها فى مساء جديد، فأين إذن الصباح؟!
وفى إنجاز تاريخى غير مسبوق احتكر الأستاذ سمير رجب الجائزة الأولى فى معرض الكتاب لعدة سنوات عن كتاب واحد اسمه (قال فصدق) أو (وعد فأوفى) وهو كتاب يشرح فيه الأستاذ سمير كيف أنجز حسنى مبارك كل وعوده للشعب، وكيف حقق لهم معجزات ضخمة مثل استكمال كوبرى محرم بك بالإسكندرية وحفر نفق الأزهر ونقل رمسيس الثانى وتجميل ميدان المحطة فى الزقازيق!!
رحم الله الرئيس السادات وغفر له ولنا، وأطال الله عمر السيد حسنى مبارك وغفر له ولنا، وكذلك الأستاذ سمير رجب، فلكل من هؤلاء أفضال على الوطن وعلى نفر من الناس، ولكل منهم حسنات نعرف بعضها ويعرف الله ما قد لا نعرفه، ولا نتناول سيرة أى منهم على سبيل السخرية أو الشماتة، ولكن فقط على سبيل الذكرى التى يفترض أن نتعلم منها الكف عن النفاق وعن العشق الغبى لأى حاكم أو مسئول أو صاحب سلطة. ففى هذه الأيام تجوب البلاد حملات لتأييد ترشح السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى لفترة رئاسية ثانية، والمفروض أن السيسى لا يحتاج لمثل هذه الخزعبلات لأنه أولاً صاحب إنجازات حقيقية يستحيل إنكارها ويستحيل لأى رئيس آخر فى الوقت الراهن استكمالها، ولأنه ثانياً شخص متواضع يحرص فى كل خطاباته على إسناد كل النجاحات للناس وليس لنفسه، ويحرص أيضاً على تأكيد استحالة الوصول لأى نجاح دون مشاركة الشعب ودون جهود الشعب ودون دور الشعب، ولكن هذا الكلام لا يمنع إخواننا الهتيفة من مواصلة السلوك الغبى وتأسيس حملات فى كل محافظات مصر لجمع التوقيعات من أجل السيد الرئيس، وتشعر خلال هذه الحملات أن السيد الرئيس السيسى يواجه خصماً رهيباً فى الجولة المقبلة بينما هو فى واقع الأمر يواجه مشكلة العثور على منافس من أى نوع حتى لا تتحول الانتخابات إلى استفتاء على مرشح واحد!!
الناس فى مصر يتهمون الأمن بإفساد الحياة السياسية بينما الواقع أن قطاعاً كبيراً من هذا الشعب مريض بالنفاق ومريض بالعمالة التطوعية أو المأجورة للداخلية وللنظام وللحكومة، وإن كان الأمن مسئولاً عن إحدى حملات تأييد السيسى فإن هناك حملات أخرى عديدة يدشنها وينفذها الكومبارس السياسى دون أوامر من أحد، وتضطر بعض فرق الهتيفة لإصدار بيانات بين الحين والآخر تقول فيها إن الحملة الفلانية غير شرعية، وإن حملة أخرى غير رسمية، وإن حملة ثالثة لم تنَل رضا الجهات السيادية، وإن حملة رابعة ليست لها صلاحيات النفاق (الخ).
الأمن فى مصر لا يجند أحداً رغم أنف ذلك الأحد، ولكن العكس هو الصحيح، فالناس هى التى تنافق، والناس هى التى تعشق الهوان والفساد، والناس هى التى تلعق أحذية السلطة حتى تسمح لها بممارسة دورها فى الفساد والإفساد، وقد تلقى لهم فى النهاية لقيمات من نفوذ أو فلوس أو تغاضٍ عن مخالفات أو جرائم منسوبة لهم.
الشخص الوحيد المحترم بين إخواننا الهتيفة هو السيد اللواء نبيل لوقا بباوى، هذا الرجل كان يؤيد مبارك بجنون، وفى الانتخابات الرئاسية التعددية الأولى والأخيرة فى عهد مبارك أنفق بباوى أموالاً طائلة فى الدعاية لمبارك، وكتب على لافتات ضخمة فى كل ميادين القاهرة أن «الجنين فى بطن أمه يبايع حسنى مبارك»!! وعقب رحيل مبارك توقف بباوى فوراً عن تأييد كل الرؤساء فلم نسمع له صوتاً مع طنطاوى أو عدلى منصور أو شفيق أو مرسى أو السيسى، فهذا الرجل المحترم يعلم أن الجنين فى عصر مبارك وصل فى العصر الحالى إلى سن سبع سنوات على أقصى تقدير، وبالتالى لا يحق له المشاركة فى انتخابات الرئاسة، أما الأجنة الجدد فيبدو أن بباوى لم يستطلع آراءهم بعد!