الأهرام
وفاء محمود
تلك «اللعبة».. هجوم غاشم على أوكار الإرهاب!
لا يقتنع غالبية الناس بخطورة غسيل الدماغ، وما ينتج عنه من إرهاب، ويعزون الإرهاب إلى حماس ديني، قائم على فهم خاطيء للنصوص الدينية، لكن هذا التفسير المتطرف للعقائد لا يتحول إلى إرهاب، إلا بغسيل الدماغ، أو قتل العقل بمعنى أصح!.

قتل العقل عملية أساسية لتمرير أفعال لا يقبلها البشر، مهما تكن أفكارهم منحرفة، فقتل العقل هو السمع والطاعة والتنفيذ لكل ما يطلب، وهو منطق لازم للاعبين بالإرهاب، فيلجأون لغسيل الدماغ كآلية قديمة، لقولبة الأفراد والجماعات وأيضا الشعوب، وعرفها قدماء المصريين لتبديل العقائد والعبادات، إلا إنها تمت بشكل شمولى مع ظهور الشيوعية والقوميات المتطرفة، كألمانيا النازية والفاشية الإيطالية واليابانية، أما فى الصين فتم استخدامها بشكل منهجى شامل، لتنظيف المخ من الأفكار البرجوازية فى الصين القديمة، وإعادة التشكيل الأيديولوجى وتنوير المجتمع، لقيام الصين الجديدة!.

وقد رأيت فيلم (الإمبراطور الأخير) من ثلاثين عاما، للمخرج الإيطالى (برتو لوتشي)، ويحكى مأساة آخر إمبراطور حكم الصين، وما تبقى فى ذهنى بعد هذه السنوات الطويلة من الفيلم، هى عملية غسيل الدماغ التى تعرض لها هذا الطفل (بوييpuyi )، الذى حكم بلاده وعمره سنتان فقط، فى وسط اجتماعى ينظر إليه كابن للسماء، حسب التقاليد القديمة، فكانت عملية غسل الدماغ الأولى من أستاذه الإنجليزي، الذى حاول هدم التقاليد التى تؤلهه واستبدالها بالقيم الحديثة، لبناء دولة قوية، ولكن الأحداث التاريخية عاجلته بثورة شعبية فى شنغهاي، ليهرب إلى الشمال ويكون إمبراطورية منشوريا، التى هيمن عليها اليابانيون، وبعد الحرب العالمية الثانية قبضت عليه الثورة الماوية الشيوعية، لتضعه فى معسكرات الإصلاح الفكري، ليتعرض لعملية غسيل دماغ جديدة، لإدخال الفكر الشيوعى فى أدمغة الجيل القديم، وأصبح له أستاذ جديد، لكنه هذه المرة شيوعى، أعانه على تقبل الحياة الجديدة، بل ويتأقلم فيها، ليعمل بستانيا فى القصر الذى كان يحكم منه، ثم تقوم ثورة ثقافية جديدة، بالانقلاب على الزعامات الشيوعية فى البلاد، ليرى أستاذه يساق إلى التعذيب والسجن، بتهمة البرجوازية التى تسللت إلى الحزب! فأخذ (بويي) يبكى مدافعا عنه بلا جدوي، فهو ليس إلا بستانيا فقيرا وما عليه إلا الاستسلام لغسيل الدماغ الجديد!.

هدف غسيل الدماغ، قتل العقل، بعزل الفرد عن محيطه الاجتماعي، ثم إعادة بنائه بمحو المعتقدات القديمة، وزرع بديل عنها، يجعله كالميت بين يدى مغسله، كما يقولون فى الإخوان، وعندما يموت العقل يتشكل إحساس ومشاعر وهمية جنونية، لا تخضع لأى معايير إنسانية تخرجه من دائرة البشر، إلى دائرة الإرهاب، بكل حماس، وهو ما نراه واضحا فى أى إرهابى يتحدث بثقة البلهاء، بعد أن استغنى عن عقله لغيره! وليس المجرم الذى هاجم كنيسة حلوان إلا نموذجا تافها من غسيل الدماغ لانتاج عقلية القطيع!.

بعد أن تمكنا من فضح أدوات التلاعب ومصادر التمويل، ثم وضع العالم أمام مسئولياته، فإن كان هذا العالم يخشى الإرهاب، فليغلق منبعه، والعقل المدبر والممول له، وهو ما يتحقق، بالضغط والمواجهة، بخطوات ناجحة، فى غلق منابع الشر والتلاعب، وهى كلها تحت الأضواء الكاشفة للعولمة، وتمكنت مصر من قلب السحر على الساحر!.

أما الجانب المكمل للقضاء على الإرهاب، هو استعادة العقل للحياة العامة، بعد أن تركت الدولة، عن غباء أو عمد أو فقر، الحبل على الغارب للمخابيل، يعيثون فى العقول فسادا وتسطيحا وتهييفا ما يستلزم هجوما مضادا، لا بأس وإن كان غاشما، ليقلع جذور الفتنة وتغييب العقل، ليفسح المجال للرحمة والود والشفقة والحب إلى آخر المعانى التى نزلت الأديان لإقرارها.

وبالاستعانة برموزنا الفكرية الحقيقية، أجدنى أعود إلى إحدى نبتات الفكر الحقيقي، الذى حاول أن يضع الناس على مسار الحضارة والتقدم. وهى استخدام العروض الفنية البسيطة لإيصال أفكار كبار الفلاسفة الكتاب لأكبر عدد من الناس، بناء على فكرة للراحل المفكر الكبير (توفيق الحكيم) عند محاولته استنباط قالب مسرحى خاص بنا لنهديه للعالم، قائم على الحكواتى والمقلداتى القديم فى تراثنا الشعبي، بلا ديكورات ولا مناظر ولا ملابس، ولكن يركز على جوهر المسرح، بالتفاعل الحى مع الجمهور، وبذلك يمكن الوصول للقرى والنجوع، فى قوافل الفنانين، بلا تكاليف، إلا رسالة إيصال آثار الأعلام الكبار، لفهم الحياة وقيمتها، من لعبة المسرح (play) لعودة الوعى فى هجوم غاشم على السبابين الخونة، المرتدين ثوب المهرجين الهزليين، الفارس بلغة المسرح، سواء فى الفضائيات الإخوانية أو أوكار الإرهاب، فلا صبر أو طاقة لهم على حياة العقلاء.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف