الأهرام
أحمد هوارى
الشعوب لا تأكل الباليستى
على وقع مظاهرات واسعة اندلعت على مدار أيام فى أكثر من 50 مدينة إيرانية، أضرم شاب النار فى جسده بعد إغلاق البلدية لمحله التجاري.. مقطع فيديو تداولته على قطاع واسع مواقع التواصل الاجتماعي.. بآلاف التعليقات المتضاربة بين مؤيد ومعارض.

أكثر من 60 % من الشعب الإيرانى يعيش فقيرا.. ملايين يتقاسمون أرغفة الخبز وغرف المنازل.. يقاسون الأمرين لتأمين قوت شهرهم.. ربما لا تجدر تلك المشاهد أبدا بدولة تبسط نفوذها عبر 5 دول عربية بالجوار.. تواصل تجاربها النووية بثبات، وتطور صواريخها الباليستية بكفاءة.

والواقع أن إيران ظلت فى مخيلتى والبسطاء أمثالى دولة منيعة الاقتصاد تعيش فى رغد عوائد مستعمراتها ومبيعات نفطها وأسلحتها. غير أن الحقيقة جاءت لتصدمنا بغير ذلك..

مليارات الدولارات تنزفها طهران كل عام من قوت مواطنها المباشر، مليارات سنوية لبسط نفوذها السياسي-العقائدى لما يتجاوز حدودها.. مليارات من عرق شعب فقير لرعاية وتمويل وتسليح مقاتلى الحشد الشعبى وحزب الله العراقي، وجماعة الحوثى باليمن، وحزب الله فى لبنان وسوريا.. كانت العقوبات الاقتصادية الغربية فازداد الاقتصاد نزفا.. خففت العقوبات الاقتصادية بعد الاتفاق النووى فجاءت الضربة القاسية بانخفاض أسعار النفط.. ظل اقتصاد الدولة المركزية يتداعى بينما الإنفاق على التوسع السياسى والعسكرى على الأطراف المحاورة يتزايد باطراد.. بلا مردود حقيقي.. بلا لقمة عيش ملموسة.

نحو 500 قتيل و12 ألف مصاب و30 ألف مسكن سقطوا بزلزال هز غرب إيران نوفمبر الماضي.. كشف عن تراجع فادح بإمكانات الدولة.. أعقبه فى ديسمبر إعلان عن ميزانية 2018 بمزيد من الأعباء القاصمة، وزيادة فى أسعار الخبز بأكثر من 30 % وبأسعار المحروقات.. لم يجد إيرانيون كثر من يسمعهم سوى الشارع.

والواقع أن زلزال الاحتجاجات كان أقسى.. والصرخة الشعبية كانت عالية.. والتجاوب العالمى معها كان لافتا.. فهل يطوى الملالى أطراف عباءاتهم المنتهكة لحرمة الجار إلى داخل الدار؟ أم يصرون على دربهم متكئين على نظام صلب وشعبية دينية وولاية سياسية؟.

«لا سوريا ولا لبنان.. نحن هنا فى إيران».. هتاف لهجت به حناجر الإيرانيين المعارضين.. هو ذاته ما ظل العرب والعالم يصرخون به فى آذان إيران عبر عقود من الأزمات والاجتماعات والقرارات الدولية دون استجابة.. التزام الحدود ليس أكثر.. اتباع حسن الجوار ليس إلا.

أعباء اقتصادية.. فقر.. غلاء معيشة.. ضيق أفق سياسي.. ضغوط خارجية.. أطماع دولية.. تتردد على مسامعك كثيرا المصطلحات ذاتها عن دول أخرى وعن مصر.. فما بال المقدمات نفسها لا تتمخض عن ذات النتائج؟..

الحق أن إجابات هذا السؤال تتمحور حول فكرة واحدة.. المستقبل.. شعب يدفع من عرقه وجيبه الشخصى فاتورة سنوات من الفساد وأخرى للإصلاح والتنمية وثالثة لمواجهة الإرهاب والأخطار الخارجية فى منطقة تغلى بالحروب والأزمات هو شعب لا يملك إلا رهانا واثقا على المستقبل.. يمضى المصريون فى هذا الطريق الوعر باختيارهم الحر لا يوقفهم جمر أسعار ولا تشقهم تدخلات ولا تخيفهم أطماع ولا يثنى ظهورهم خنجر إرهاب.. يمضون معلقين الآمال على جسر يفتتح وطريق جديد لمدينة قيد الإنشاء ومصنع يشرع أبوابه بعد طول إغلاق ونفق يمد التنمية للصحراء وسياحة تعود.

والحق أن الفارق بين الحالين هو ذات الفارق بين رجل أحرق نفسه قنوطا من غد أفضل.. وبين بطل مصرى أصيل هو عم صلاح الموجي.. ألقى بجسده فوق إرهابى كنيسة مارمينا بحلوان غير آبه بسلاحه الناسف، من أجل مستقبل أبنائه.. فما كان من بعض المهووسين فى الإعلام بالانفراد والأعلى قراءة والأكثر مشاهدة.. إلا أن فتشوا فى ماضيه بحثا عن جديد.. بينما الرجل وهب ماضيه وحاضره ومستقبله فى موقف بطولى واحد.. ولكن تلك قضية أخرى.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف