فى مدينة «العاشر من رمضان»، رأيت يوما عظيما آخر من أيام مصر.
فى «العاشر من رمضان»، رأيت دولة تبنى حضارة، وتصنع مستقبلا، ولا تنظر أسفل قدميها، ولا وراءها، دولة تخرج لسانها للإرهاب، ولمن يمولونه، ويدعمونه، ويساندونه، سرا وعلنا، دولة محترمة، مسالمة، تبنى وتعمر وتوسع الأرزاق، لا دولة شريرة معتدية، تتدخل فى شئون غيرها، أو «تتسلى» بتدبير مخططات تخريبية فى دولة أخرى، أو تنشيء القواعد العسكرية هنا وهناك لحساب هذا وذاك!
فى «العاشر من رمضان»، رأيت رئيسا «حافظا» و«دارسا» لمكونات كل شبر على أرض مصر، رئيسا يعمل لعشرين وثلاثين سنة مقبلة، لا يبالى بكرسى أو منصب أو انتخابات أو شعبية، ولا بعبارات نقد غير مدروسة، ولا «فذلكة» كاتب، ولا «حذلقة» خبير.
فى «العاشر من رمضان»، رأيت مؤسسة عسكرية تبدع وتتألق وتتفانى فى خدمة شعبها، فتبنى له الطرق والكبارى والأنفاق، فتوفر له الوقت والمليارات، وتسد أبواب الفساد «عمليا»، وبالأدلة وبالأرقام.
فى «العاشر من رمضان»، رأيت حكومة شابة جريئة دينامية، تحاول وتجتهد وتصارع من أجل استنساخ تجارب الدول الأخرى التى سبقتنا، ولكن بتكلفة أقل، وبسرعة أكبر، وفى ظروف أصعب وأقسى.
فقد نهضت الصين بشبكة طرق عملاقة، وصنعت اليابان معجزتها بشبكة أنفاق وكبارى أسطورية، وشيدت بريطانيا إمبراطوريتها بمساعدة أعظم شبكة للسكك الحديدية فى العالم، واستعادت روسيا جزءا كبيرا من مجدها السوفيتى القديم منذ وصول بوتين للحكم بفعل سلاح «الطاقة»، وأصبحت كوريا الجنوبية وحشا اقتصاديا بفضل الصناعات الصغيرة والمتوسطة والاقتصاد المعرفي، وتحولت ماليزيا إلى «نمر» بفعل الاستفادة من القروض والمنح الدولية، وتحولت سنغافورة إلى عملاق اقتصادى بفضل تحولها إلى مركز لوجيستى للملاحة البحرية، وتفتخر الهند والبرازيل والأرجنتين فى كل المحافل الدولية بتجاربها الرائدة فى مجالات محاربة الفقر والعشوائيات وبناء المدن الجديدة وبرامج الضمان الاجتماعى ورعاية الأسرة والمرأة.
أما مصر، فهى الآن تسير فى الطريق نفسه، ولو كان ذلك ببطء، وتقلد وتستنسخ، ولو كان ذلك بطريقتها، وتحفر بيديها فى الصخر، مهما تكن الظروف والأوضاع، ويكفيها شرفا وفخرا أنها أول نظام وأول رئيس وأول حكومة تضع يديها فى مشكلات وأزمات و«أوحال» سبعين سنة مضت، مهما تكن النتائج.
«فى العاشر من رمضان»، رأيت رئيسا «يغضب» على كل ساعة زمن تضيع من عمر الوطن، و«يحرص» على كل جنيه أو مليم يتم إهداره بلا فائدة، و«يقلق» لكل مشروع لا يشعر المواطن العادى بفائدته، و«يتحسب» من كل قرار أو إجراء من شأنه زيادة أعباء المواطنين.
غضب الرئيس عندما علم أن مشروعا تأخر عن موعده، فنادى على الفور أمام الحاضرين «يا كامل»، فى إشارة إلى اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية، من أجل تكليفه باستكمال المشروع المتأخر، وتسليمه، فى فترة قياسية!.
وتنبه الرئيس للأنوار المضاءة نهارا عندما كان يتابع عبر «الفيديو كونفرانس» مراسم إزاحة الستار عن بعض مشروعات المدن الجديدة، ولاحظ ذلك فى مرتين، وكان واضحا أنه غير راض لإهدار أموال هذه الأضواء، حتى وإن كانت كلفتها ضئيلة ولا تكاد تذكر، وحتى عندما قيل له إن المصابيح مضاءة «لإجراء اختبارات» عليها!
وظهر القلق على الرئيس عندما تحدث عن أهمية أن يشرح كل وزير وكل مسئول للمواطنين الفائدة الفعلية التى ستعود على حياة المواطن اليومية من جراء افتتاح نفق أو كوبرى أو تشغيل محطة صرف صحي، وفى هذه النقطة، كان الرئيس محقا تماما، ويشعر بما يردده البعض ممن يفضلون ترجمة هذه المشروعات إلى أكل وشرب وزيت وسكر و«فلوس كاش»!
فمشروعات إنشاء محطات مياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحى والزراعى لاستخدامها أكثر من أربع مرات، ومحطات تحلية مياه البحر، كلها تهدف إلى توفير بدائل لأى احتمالات مستقبلية لنقص المياه، تحت أى ظروف، والطريق الجديد- مثلا- أو الكوبرى الجديد، يقلل المسافات، وبالتالى الزمن، وبالتالي، الوقود، وتكاليف النقل، وأسعار السلع، والأمراض الناجمة عن التلوث البيئي، وضحايا الحوادث.
أما ما أعلنه وزير النقل - بشجاعة واحترافية يحسد عليهما - بشأن زيادة محتملة فى أسعار تذاكر قطارات السكك الحديدية، فلم يعترض عليه الرئيس مطلقا، وإنما طالبه بضرورة تحسين الخدمة أولا، حتى يتقبل المواطن هذه الزيادة، التى بات من الواضح أنها لا مفر منها لتعويض خسائر لا تنتهى فى مرفق متقادم، يستخدمه ملايين البشر يوميا «ببلاش»، وكلنا يعرف هذا!