الأهرام
عبد المنعم سعيد
الانتخابات الرئاسية
الانتخابات الرئاسية الثانية بعد الثورات هى فى العادة الأكثر أهمية لأن فيها يتبين مدى صلابة القاعدة التشريعية من دستور وقوانين منظمة، ولأن الانتخابات الأولى تكون متأثرة بالثورة، وأبطالها الذين يدخلون للمعركة الانتخابية دون منافس تقريبا. جورج واشنطن فاز بالانتخابات الرئاسية الأولى دون منافسة تقريبا بعد أن قاد ثلاث عشرة ولاية أمريكية إلى الاستقلال عن بريطانيا من ناحية، وتكوين دولة فتية من ناحية أخري. وحمل الرجل هذا الانجاز مرة ثانية إلى قيادة السفينة الأمريكية رغم أن شعبيته بدأت فى التآكل نتيجة الخلاف على إنشاء البنك الفيدرالي، وعلى ما يجب عمله مع الولايات الجديدة وانضمامها إلى الاتحاد الوليد، والظروف الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن سنوات الحرب والخلاف بين الولايات الحرة من العبيد، وتلك التى استمرت معتمدة للعبودية. بعد جورج واشنطن لم تعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية سهلة، وبات التنافس فيها شديدا، فلم يفز جون آدامز إلا بفترة واحدة، أما توماس جيفرسون فقد فاز بعده بعد منافسة قاسية. نيلسون مانديلا لم يختلف عليه أحد، وعلى أى حال فإن الرجل قرر عدم الدخول إلى المنافسة لفترة ثانية، ربما لكى يكون رئيس الرؤساء حتى نهاية حياته، ولكن ما جاء بعده لم يعد سهلا ولا سلسا، فقد أصبحت المنافسة قاتلة، والشهادة قائمة هذه الأيام فى جنوب إفريقيا. فى مصر فإن الانتخابات الرئاسية لدورة 2014 كانت خالية من المنافسة، وفاز الرئيس عبد الفتاح السيسى بنسبة 96% على منافسة الأستاذ حمدين صباحى لأنه كان المنقذ من حكم الإخوان، والرجل الذى أعاد الاستقرار لمصر بعد فترة عصيبة.

الآن ومع الدورة الرئاسية الثانية بعد ثورة يونيو، وإقرار دستور 2014، فإن مياها كثيرة مرت تحت الجسور ربما كان أهمها أن «الخطر» لم يعد هو الحاكم الوحيد للانتخابات المصرية، وبعد أن بات «الأمل» فى حياة أفضل برنامجا متاحا للمرشحين للتنافس حول كيفية الوفاء بوعوده. المدهش أن المرشحين «المحتملين» ركزوا كثيرا على حجم «المعاناة» التى يعيشها المصريون نتيجة البرنامج الذى يطبقه الرئيس السيسى والحكومة المصرية لخروج مصر من أزماتها واللحاق بالعالم المعاصر. وحتى الآن لم يقدم أحد منهم برنامجه المتكامل الذى لا يقتصر على التأوهات والأنين، وإنما يتضمن مسارا وطريقا مختلفا لما سرنا عليه ومضينا فيه. السائد فى الدول المختلفة، ومصر ليست استثناء، أن الرئيس الموجود فى السلطة يكون أكثر تعرضا وانكشافا من المرشحين الساعين إليها لأن لديه تجربة وتطبيقات متاحة للجميع نقدا وقدحا. وفى الحالة المصرية فإن الرئيس السيسى لديه «رؤية مصر 2030»، ولديه أربع سنوات بدأت بإنعاش الاقتصاد المصري، ثم دخلت فى برنامج واسع للبنية الأساسية، وتداخل معها برامج لإصلاح التعليم والصحة، والمراجعة للقوانين والتشريعات وفى المقدمة منها ما خص الاقتصاد وإدارة الدولة. وحتى الآن فإن المنافسة تبدو جزئية للغاية، تركز على مشروعات بعينها مثل العاصمة الإدارية، دون أن تضعها فى إطارها العام الخاص بالبيئة العمرانية للبلاد، سواء تلك التى تنشأ فى شكل مدن جديدة، أو إنعاش وبعث المدن القديمة من جديد، وتحويل مصر من دولة نهرية إلى أخرى بحرية، وكسر الحواجز القائمة ما بين الوادى وسيناء.

حتى الآن فإن المنافسة تجرى حول برنامج يفعله الرئيس السيسى وحكومته، ولكنها لا تطرح ما يريد مرشح محتمل فعله أو عدم فعله، وليس بمثل هذه الطريقة يمكن الفوز فى الانتخابات، خاصة لو كان الشعب المصرى يريد أن يرى أيضا ولا يسمع فقط عن برامج لا تقول لنا كيف ستقيم ما هو أفضل مما هو قائم. بالطبع فإن أحدا لا يطرح، ولا ينبغى أن يطرح، إنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، ولكن الانتخابات عامة، والرئاسية خاصة فى الدول الناضجة، هى بين مناهج وبرامج وسياسات. ولعل غياب هذه الثلاثية عن «ثورة يناير» هى التى أتاحت، ضمن أسباب أخرى بالطبع، للإخوان أن يرثوا الثورة ويستولون عليها، فلم يكن هناك لدى الثوار شيء عما سوف يكون عليه الأمر بعد الاستيلاء على ميدان التحرير، ومغادرة الرئيس مبارك لقصر الرئاسة. ومن الطريف أن كثيرين من أنصار الثورة طرحوا أنه لا يمكن محاسبة الثورة، والثوار بالتالي، على غياب المنهج والبرنامج والسياسات لأنهم لن يصلوا إلى السلطة، وهو ما يقلب المعادلة السياسية كلها رأسا على عقب بحيث لا تأتى هذه الثلاثية إلا بعد الوصول إلى السلطة بالفعل، فالأصل فى الموضوع هو أن الثورات تقوم، والثوار يثورون، من أجل تحقيق أمر عظيم من نوع أو آخر، وليس حفنة من العناوين العامة التى لم يحفل أحد بأن يحدد ما الذى تعنيه.

ولكن الانتخابات عامة والرئاسية خاصة ليست تنافسا فقط بين مرشحين وبقية الشعب ليس لديه إلا المشاهدة لما يطرحه الأطراف من أعاجيب القول. فى أقرب الانتخابات التنافسية فى مصر، والتى جرت فى عام 2012 بين 13 مرشحا للرئاسة، فإن الشعب المصرى وقف مدهوشا، وهو يرى كل المرشحين يحققون كل الأهداف والأحلام المصرية فى غمضة عين أو عند التواضع فى المائة يوم الأولى من تولى الرئاسة. النتيجة أن استطلاعات الرأى العام التى قام بها مركز الأهرام ومركز بصيرة أعطت السبق للسيد عمرو موسى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وهما من جرت بينهما أول وآخر المناظرات السياسية فى مصر. جاءت الانتخابات بنتيجة مخالفة حيث كانت الجولة الأخيرة من الانتخابات ما بين د. محمد مرسى والفريق أحمد شفيق، فلم يكن من جاءوا فى الأول والآخر من شباب الثورة، وكانوا بشكل أو آخر من المؤسسة التى كانت فى الحكم أو فى المعارضة وأكثرها رجعية وتخلفا مهما تكن بركات الثوار بالإنابة فى قاعة فندق فيرمونت.

الخلاصة أن الانتخابات الرئاسية المصرية هى لحظة اختبار جديدة على مدى النضج الذى وصلنا إليه، والنضج فى الدولة والحكم اللذين عليهما إدارة الانتخابات، والنضج للشعب الذى سوف ينتخب. كل ذلك يحتاج كثيرا من التفكير والمراجعة فى الفترة المقبلة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف