حوادث الموت داخل أقسام الشرطة تعددت خلال الفترة الأخيرة بشكل أصبح لافتاً للنظر.
وعلي الرغم أنني آثرت علي نفسي عدم الخوض في هذا الملف، لإعطاء الفرصة للشرطة بعدما أصابها من هدم هيبتها أعقاب ثورة 25 يناير والتي أصطحبها انفلات أمني عانينا منه جميعاً.. لكن الأمر أصبح فعلاً لافتاً للنظر.. فنجد أن الكثير من المتهمين أصبحوا يلقون حتفهم داخل أقسام الشرطة.. وتخرج تقارير الطب الشرعي لتؤكد أن الموت جراء عمليات تعذيب.. مما يعني أنه قتل عمد.
لماذا تصل الأمور لهذه الدرجة ضد المتهم؟!.. لأن رجال التحقيق من ضباط الشرطة داخل الأقسام اعتبروا أن المحتجز لديهم مجرم فعلاً لا يستحق الحياة.. أو بمعني آخر موته سيتم السكوت عنه.. وأنه لا حقوق إنسان له.. الأمر لا يمكن أن يمر مرور الكرام، لأنه بهذه الصورة تنصب الشرطة نفسها قاضياً يحكم بالإعدام علي المتهم.. فاليوم »عفروتو» وبالأمس القريب متهمون كثر في أقسام الهرم والإسكندرية وغيرها.
الصحيفة الجنائية للمتهم لا تهدر حقوقه الإنسانية.. حتي وأن كان مسجل خطر.. فهو لم يذهب لحرق القسم فتعامل معه رجال الشرطة وانتهي الأمر بقتله.
المؤكد في هذا الأمر هو أن هذه الحوادث تأخذ من رصيد رجال الشرطة لدي الناس.. فتظل عالقة بالأذهان.. خاصة إن كانت في مناطق المهمشين في بعض الأحياء.. فهم الذين يشعرون بالكثير من الظلم في هذا المجتمع في ضوء الخدمات المتدنية المقدمة لهم في هذه المناطق، أو المحرمون منها أصلاً.. بالإضافة إلي تدني مستوي معيشة الكثير منهم.. مما يزيد من الإحساس بالظلم.. وللأسف وإن كانت هذه الممارسات قليلة فهي تخلق ثأراً لدي بعض الفئات مع الشرطة.. وهنا يحدث الخلل في علاقة رجال الشرطة بالمجتمع الذي يعيشون فيه فتسيطر هذه الحوادث علي أقارب وجيران الضحية.. وتفقد الشرطة هيبتها في هذه المناطق.. وتضيع حقوق الغالبية العظمي من رجال الشرطة الذين يؤدون عملهم بكل شرف واخلاص.. سواء كانوا احياء أو نالوا الشهادة في مواجهة الإرهابيين أو حتي المجرمين الجنائيين.
أن هذه الفئة التي تهدر آدمية وحقوق الإنسان داخل أقسام الشرطة تسيء بدرجة كبيرة لجموع العاملين في هذا الجهاز.. الذي يحتاجه المجتمع بالفعل لضبط منظومة الدولة في كل الميادين.. وهو ما عاني منه المواطنون بالفعل علي مدار أكثر من عامين في أعقاب ثورة 25 يناير، حتي استعادت الشرطة ثقتها بنفسها وعاد تواجدها في الشارع مرة أخري.. هذا التواجد لا يشوهه سوي الممارسات الخاطئة داخل أقسام الشرطة وبعض الممارسات غير المنضبطة من بعض رجال المرور في الشوارع الذين يغضون البصر عن المنفلتين من سائقي التكاتك والميكروباص.. ويكبلون البعض الآخر بالعديد من المخالفات المرورية التي لم يرتكبوها.. نتيجة إهمال في أداء بعض رجال المرور.
علينا أن ندرك أن هناك قطاعا عريضاً من الجمهور علاقتهم بالشرطة تقتصر علي التردد علي الأقسام أو من خلال وحدات المرور لإنهاء مصالحهم.. ولذا يجب أن يقوم القائمون علي هذا الجهاز بإعادة النظر في تلك الوحدات التي لها علاقة مباشرة بجمهور عريض من المواطنين حفاظاً علي الثقة في العلاقة بين الطرفين.
أعود وأؤكد أنه يجب ألا تمر حوادث التعذيب في الأقسام مرور الكرام، حتي وإن حصل مرتكبو هذه الأفعال علي أحكام قضائية.. فلا يكفي تعيين ضابط في كل قسم مسئول عن حقوق الإنسان لتلقي شكاوي المواطنين في زملائه من الضباط وأفراد الأمن، وحتي كاميرات المراقبة الموجودة في أقسام الشرطة لا تكفي.. فهذه الأمور وإن كانت تفضح ما يتم من ممارسات فإن الأهم من ذلك هو عدم حدوث هذه الممارسات أصلا من خلال تغيير العقيدة عند البعض من رجال الشرطة الذين يرتكبون هذه الأفعال التي تهدر آدمية وحقوق الإنسان، بداية من الإهانة باللفظ والقول ونهاية بالقتل العمد.. فحياة الإنسان حتي وأن كان مسجل خطر هي أمانة في عنق رجال الشرطة طالما كان المتهم في حوزتهم.. ويكفي أن نري ما قام به رجال الشرطة من الحفاظ علي حياة الإرهابي الذي قام بإطلاق النيران علي كنيسة حلوان.. فقد كان في إمكان الضابط الذي أطلق عليه النار أن يقضي عليه.. ولكنه آثر أن يفقده الحركة بإطلاق النار علي رجله، حتي بعدما انقض عليه الأهالي محاولين الفتك به انتقاماً للضحايا الابرياء، نجد رجال الشرطة يفرقون الأهالي ويقفون حائلاً بينهم وبين الإرهابي يقنعونهم بأنه يجب أن يتم الحفاظ عليه حياً حتي يتم التحقيق معه والوصول للحقيقة كاملة وتطبيق القانون عليه من خلال محاكمة عادلة.
ليت المخطئين من المتجاوزين في أقسام الشرطة يتعلمون من زملائهم الذين يقفون علي خط النار في سيناء وعلي حدود البلاد لا يعلمون من أين ستأتي إليهم الضربة مضحين بحياتهم يواجهون خطر الإرهاب المجرم، تاركين أهاليهم وأطفالهم فداء لهذا الوطن، لكي ينام الناس مطمئنين علي أرواحهم وأولادهم.