لماذا يا ابن العلقمى أنت مُصرٌّ على الخيانة؟ بل لماذا أنت مُصرُّ على خيانتنا نحن بالذات؟ هل لأننا الأقوي، أو لأننا الأشرف؟ أو لعقدة نقص فى نفسك أو فى تاريخك؟ أو لأننا الشعب الأعرق تاريخًا وحضارة؟ أو لأننا صمام أمان المنطقة وأنتم تريدونها فوضي؟ أو لأن الخيانة تسرى فى دمك؟ أو لذلك كله مجتمعًا؟.
لقد عرف تاريخنا أبطالاً عظامًا من أمثال: خالد بن الوليد، وسعد بن أبى وقاص، وأبى عبيدة بن الجراح، وسيف الدين قطز، والظاهر بيبرس، وصلاح الدين الأيوبي، كما عرف خونة لئامًا، لعل أشهرهم ابن العلقمي، ووالى عكا.
لماذا يا ابن العلقمى أنتم مصرون على أن تقفوا موقف اللئام؟ وأن تصطفوا فى صفوفهم؟ وأن تبيعوا الدين والوطن والإنسانية وكل شيء جميل بثمن بخس, وحتى بلا ثمن؟ لماذا أنتم بهذه الوقاحة والحقارة ؟ ولماذا كل هذا السقوط والتردى وتلك النذالة؟ ولماذا تكيدون لنا نحن بالذات ومن دون خلق الله أجمعين كيدًا لم تكيدوه لأحد غيرنا؟ لماذا ونحن لا نعرف الغدر، ولا الخيانة، ولا التدخل فى شئون الآخرين؟
وكما يقولون فى مجال النهب وفساد الذمم: إن هناك قططا سمانًا وقططًا صغارًا تتقوت على فتات تلك القطط السمان، فإن هناك خونة كبارًا أمثال ابن العلقمى ووالى عكا ما زالوا يؤدون دورهما ضدنا حذو النعل بالنعل, فى تسليم مفتاح المدينة الصامدة الباسلة لأعدائنا, وإلى جانبهم ينتشر آلاف القطط الصغار أو بعبارة أدق الخونة الصغار الذين يمهدون الأرض أمام هؤلاء الخونة الكبار.
على أن الذى أؤكده عليه وأنبه له هو أن معظم النار من مستصغر الشرر, وأن خطر الخونة الصغار لا يقل عن خطر الخونة الكبار, ذلك أن الخونة الكبار لا يستطيعون أن يحرزوا أهدافًا إلا فى مناخ يسمح بحركة الخونة الصغار وانتشارهم على الأرض، مما يشكل حواضن للخيانة الكبرى أو الخونة الكبار.
ولو فتشت وراء كل خيانة عصرية لرأيت تنظيم الإخوان فى القلب منها، فهم الداء العضال الذى ابتليت به الأمة منذ أن استطاعت بعض استخبارات القوى العالمية والدول الكبرى إنشاء وزرع هذه الجماعة الإرهابية فى قلب منطقتنا, كزراعة العدو الصهيونى سواء بسواء، فكلاهما رأس حربة ضدنا، أحدهما فى صدر هذه الأمة، والآخر فى ظهرها، على أن الطعن فى الظهر أشد وأنكي.
وإذا كان شاعرنا العربى يقول:
وظلـمُ ذوى القربـى أشـدُّ مضاضة .. على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد
فخيانة ذوى القربى أشد وأنكي, لذا يجب أن نتنبه وبقوة لحجم الأخطار المحيطة والمحدقة بنا خارجيًّا وداخليًّا, وأن نعمل على درئها قبل فوات الأوان, وأترك لكل قارئ أن يدرك من هو ابن العلقمى الجديد، ومن هو والى عكا الجديد فى زماننا هذا، ومن الذى يؤدى دور كل منهما فى منطقتنا.
وإذا كان دور الخائن الصغير لا يقل خطرًا فى هذه المرحلة عن دور الخونة الكبار أو القطط السمان فيجب علينا أن نضرب بيد من حديد على أيدى كل خائن وعميل, وعلى أيدى كل من يعيثون فى الأرض فسادًا أو إفسادًا أو تخريبا, وأن ندرك أن واجب الوقت يحتم علينا وبقوة أن نعمل متضامنين على إنقاذ وطننا وأمتنا مما يراد بهما, وأن نكون على يقين من أن حماية الدولة الوطنية ودعم صمودها وكشف أعدائها فى الداخل والخارج, وبخاصة الخونة والعملاء, وعلى وجه أشد خصوصية من يتاجرون بالدين ويتخذونه ستارًا، أمر يأتى فى مقدمة أولوياتنا جميعًا, حفاظًا على بناء الدولة وتماسكها, موقنين أن حفظ الدولة إنما هو حفظ للدين, ولا سيما أن مصرنا الغالية هى بمنزلة القلب النابض للعروبة والإسلام, ودعمها واجب وطنى وشرعى ندين لله عز وجل به ونلقاه عليه, ولا سيما فى هذه الظروف الصعبة والأخطار التى تحيط بنا وبمحيطنا الإقليمي.