المساء
خيرية البشلاوى
التحرش ثقافة أصيلة في هوليود
في عشرينيات القرن الماضي شاعت أخبار العديد من الفضائح المحزنة في هوليود وظهرت الأفلام الفاضحة والحكايات التي أثارت المخاوف والشكوك ومنها جرائم قتل واغتصاب إلي الدرجة التي استنفرت العديد من الولايات المتحدة الأمريكية حتي حدود الثورة علي صناعة السينما باعتبارها صناعة تحوم حولها الشبهات.
وقتئذ خرج قانون إنتاج الأفلام "mpaa" يتضمن مجموعة من التعليمات الأخلاقية التي حكمت إنتاج الأفلام وهو القانون المشهور "بقانون هايز" نسبة إلي ويل هاريسون هايز رئيس الرقابة في هوليود آنذاك. وتبنت هيئة منتجي وموزعي الأفلام في أمريكا هذا القانون وبدأت تفرضه من 1934 وحتي 1968. ثم تخلت عنه واستبدلته بنظام لتقييم الأفلام الذي مازال سارياً وهو الذي اقتبسناه هنا في مصر مؤخراً.
ليس بالقوانين ينصلح حال السينما إذا لم يكن هناك إرادة لدي أساطين هذه الصناعة. إرادة تنتصر للجمال الفني وللحكايات الإنسانية والقضايا التي ترتقي وتسمو بالبشر وتجعل حياتهم أحلي.
ولا يمكن بأي حال إنكار الدور الإنساني والقيمي المهم الذي لعبته الأفلام في حياة البشر. والشعوب. ومن الصعب أن نبرئ صناعة الترفيه من النزاعات التجارية والحسية التي تنشر الانحرافات الأخلاقية والشذوذ والعلاقات الجنسية الفاضحة ومشاهد تناول المخدرات والوحشية باستعراض أساليب ارتكاب الجرائم وطرق التهريب بالإضافة إلي مشاهد الفجور والإيحاءات الحسية وعلاقات المحارم والاهانات المقصودة ضد الأديان والأعراف والشعوب.
ومنذ وقت قصير "أكتوبر 2017" وجهت العديد من الاتهامات بالتحرش الجنسي ضد المنتج الأمريكي الشهير هارفي وينشتاين "مواليد 19 مارس 1952" وهو شخصية قوية جداً ومعروفة في مجال إنتاج الأفلام المستقلة الأمريكية كان يمتلك شركة إنتاج "ميراماكس" ثم شركة أخري أنتجت أعمالاً حصل بعضها علي الأوسكار.
وبعد اتهامه بالتحرش الجنسي ثم طرده من شركة الإنتاج وشطبه من عضوية أكاديمية علوم وفنون السينما التي تمتح جوائز الأوسكار قامت أكثر من 80 سيدة أمريكية تعملن في مجال صناعة السينما أو خارجها بتقديم بلاغات ضد وينشتاين. وبعدها انطلقت صيحات النساء بشعار اكتسح وسائل التواصل الاجتماعي.. وتحول "هاشتاج "وأنا أيضاً" "me too" إلي حملة عالمية تجاوزت أمريكا إلي بلادنا العربية وتمت ترجمته في صياغات مختلفة حسب لغة البلد.
هاشتاج "وأنا أيضاً" شجع النساء في بلدان عديدة علي البوح وسرد ما تعرضن له من اعتداءات جنسية وتحرش ففي زمن التكنولوجيا عابرة القارات والتي جعلت العالم قرية واحدة صغيرة. أصبح من السهل علي كل امرأة صادقة أو "شمال" و"شمال" هذه كلمة تحولت عندنا إلي مصطلح عامي دارج وسط الشباب ويشير إلي الانحراف الأخلاقي. إنها بديل مصطلح "لبط" الذي احتل قبله مكاناً في لغة الحوار السوقية في الشارع وعلي المقاهي.
أصبح بإمكان كل سيدة أن تكشف من دون خجل عما تعر

ضت له وعن الأشياء المخجلة التي أخفتها طويلاً.
إن هاشتاج "وأنا أيضاً" "me too" انطلق كجزء من حملة توعية تنتصر للمرأة التي لم يعد يصح أن تتعامل مع نفسها كمجرد "أنثي" لأنها في نهاية الأمر "إنسان" بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية ومستوي التعليم والدين واللون. وقد دعت الممثلة "أليسا ميلانو" نساء العالم إلي استخدام هذا الهاشتاج "وأنا أيضاً" بعد أن شاعت رائحة الفضايح التي تسبب فيها المنتج هارفي وينشتاين.
في هذا السياق نفسه يوجد مصطلح "كاستنج كوتش" "casting coach" وترجمته الحرفية "تراعي التوظيف" أو علي نحو مجازي المسئول عن الاختيار للدور السينمائي فليس عندي تعريف يضاهي المعني. والمقصود طلب "تقابل جنسي" لكي تحصل المرأة علي عقد وظيفة أو دور في فيلم أو ترقية في المؤسسة التي تعمل بها.. والطريف أن هذا المصطلح خرج من قلب صناعة السينما في هوليود للإشارة بشكل خاص إلي بعض "المكاتب" التي تستخدم في النشاط الجنسي وسط المسئولين عن اختيار طاقم الممثلين في الإنتاج السينمائي وبين السيدات الطموحات للعمل في السينما والحالمات "بالدور" ولا يجب الخلط بين المدراء المسئولين عن طاقم الممثلين وبين البالغين اللاتي يعملن في صناعة الترفيه واللاتي يعرفن مقدما متطلبات العمل في هذا النوع الفاضح من الترفيه.
هذه الممارسات الجنسية التي تقدم كجزية أو كثمن في المقابل ابتليت بها هوليود منذ زمن قديم قبل أن يتهم "هارفي وينشتاين" بالتحرش. إنها ثقافة سائدة في هوليود منذ أن قامت.
تقبل هذا المنتج المشهور الذي أنتج روائع الأفلام مثل "الفنان" "شكسبير عاشقاً" "المريض الإنجليزي" كان هناك لويس ماير المؤسس المشارك لشركة مترجولدوين ماير عام 1924. إنه المؤسس الأول لهذا النوع من التحرش. والمرأة التي لا تتجاوب يهددها بتدمير مستقبلها وقد كشفت ممثلات مرموقات وقويات في السنوات الأولي لهوليود أن ماير كان يطارد الممثلة جين هاورد داخل المكتب. وحين قالت "لا فائدة ولا يمكن" وتزوجت من الريجسير شارلز فيلمان أطاح "ماير" بالرجل خارج الاستوديو وامتنع عن تعيين أي من زبائنه.. أكبر فضائح من هذا النوع تملأ مجلدات وتطول أسماء نجمات دخلن تاريخ السينما من أوسع أبوابه "جودي جارلاند. ومارلين مونرو مجرد نماذج دالة".
إن هوليود في نظر من عاصرها واقترب من أساطينها ليست أكثر من بيت دعارة شديد الزحام. ساحة لهو يمتلئ بالأسرة للجياد!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف