ناجح ابراهيم
الإصلاح يبدأ بالإنسان.. وينتهى إليه
أصاب امرأة على عهد المسيح ابن مريم مرض شديد يوم السبت، فذهبت إليه تطلب الشفاء فشفاها بإذن الله، فهو يُبرئ الأكمه والأبرص ويُحيى الموتى بإذن الله، كما ورد فى القرآن.
فى هذا اليوم الذى يرفض فيه القوم العمل عملاً بالمبادئ التوراتية، وبدلاً من أن يفرح الكهنة بشفاء المريضة، هاجوا وماجوا وغضبوا، وقال كبيرهم للمسيح: كيف تبرئ يوم السبت؟
فزجره المسيح قائلاً: «يا مُرائى، لو سقط حمارك يوم السبت فى بئر لأخرجته وأبرأته، ولكن لو مرضت امرأة لا تريد أن أُبرئها، إنما جُعل السبت من أجل الإنسان ولم يُجعل الإنسان من أجل السبت».
أما عمر بن عبدالعزيز، الخليفة الخامس، الزاهد الذى أصلح الله فى عهده بين الذئب والغنم، فكتب إليه عامله على مكة يطلب منه أن يأمر للكعبة بكسوة كل عام كما كان يفعل الخلفاء من قبله، فإذا به يفاجئ واليه على مكة ويعلّم الدنيا كلها بقوله: «إنى رأيت أن أجعل ذلك فى أكباد جائعة، فإنها أولى بذلك».
المسيح نبى من أولى العزم من الرسل، وعمر بن عبدالعزيز من أعظم أولياء الله، كلاهما كأنه يقول لنا بفعله إن الشريعة جاءت من أجل الإنسان ولصالحه ولخدمته وللتيسير عليه ولإسعاده وللتخفيف عنه لا التعسير والتشديد عليه.
الإنسان محور الكون، ويقع على عاتقه صلاحه ونهضته وخيره إن صلح، وبسببه يقع الظلم والبغى إن فسد وضل، ومن أجل هذا الإنسان أنزل الله الكتب وأرسل الرسل وأقام الموازين بالحق يوم القيامة.
الأنبياء جميعاً، والشرائع كلها، جاءت لتيسّر على الإنسان لا لتعسّر عليه، تهديه ولا تكفّره، ترعاه ولا تهمله، تبشّره ولا تنفّره، ترحمه ولا تقسو عليه.
الشريعة مصلحة كلها، وكل ما فيه مفسدة أو ضيم أو قتل أو انتهاك حرمات أو قطع رحم أو أكل أموال الناس بالباطل أو استبداد أو ظلم فليس من الشريعة فى شىء، وإن بدا للبعض فى أى وقت أن شيئاً منه يمثل الشريعة.
الفكر الإسلامى والدينى الصحيح هو الذى يهتم بالإنسان ويدور حوله ويسعى لنفعه وخيره ويوسع عليه دون معصية لله، ولا يلقيه فى المهلكة تلو المهلكة. إصلاح الإنسان، وإصلاح دنياه وأخراه، هو البداية الحقة للإصلاح، أما كل إصلاح فى أى شىء غير الإنسان فلن يثمر كثيراً.
نحن لم نفهم الإسلام فتخلفنا عن ركب الحضارة، ولما تفوّق الغرب علينا وقعنا فى أكبر خداع استراتيجى لأنفسنا، حينما قلنا لأنفسنا إن هؤلاء «لهم الدنيا ولنا الآخرة».
وهل الآخرة تكون لأمة فى مؤخرة الركب، تقدم شهواتها على عقلها، ويغمرها الظلم والاستبداد، أو التكفير الدينى والسياسى، أو القتل بالاسم والمذهب والوظيفة والعرق، هل الآخرة ستكون لقوم يتقاتلون ويتصارعون على أهون الأسباب، وبينهم من أسباب الوحدة الكثير ولكنهم دوماً يبحثون عن أسباب الشقاق.
هل الآخرة لمن يضن بالإسلام على غيره ويعتبره حكراً عليه دون سواه أو يضن بالوطنية على غيره ويعتبرها حكراً عليه دون سواه، هل هذه أمة تستحق الفوز فى الدارين حقاً.. أم ماذا؟