الأهرام
محمد شعير
«محمد صلاح» نجم الهجوم على الدولة
هل هناك من لا يسعد - وينتشي- بالصعود الصاروخى الجميل للنجم الخلوق؛ العالمى محمد صلاح؟!. قد تبدو الإجابة بديهية، لكن هناك بالفعل من لا يسعدون، ويتألمون. هؤلاء؛ الأمر عندهم ليس مجرد «صلاح»، بل اقرأ بنفسك هذه الكلمات؛ «وصلتم كأس العالم؟!»، قالها مدرس «إخواني» لطالب عنده يعشق كرة القدم، فى اليوم التالى لتحقق الحلم؛ حلمنا نحن، لا حلمهم. هو قالها بنفسه: «وصلتم»!. نعم وصلنا، وسنصل أيضا فيما هو أهمّ، سنصل دوما، وسنواصل، بدونكم كما اخترتم أنتم. ما أكثر السطور السابقة عليكم، لذا دعنا - أيها القارئ الكريم- نبدأ المقال من هنا.

مصريون وطنيون مخلصون، عبروا عن سعادتهم الكبرى لفوز صلاح بجائزة أفضل لاعب فى إفريقيا، لكنهم راحوا يطرحون الأسئلة الناقدة؛ حول ما إذا كان صلاح سيدرك النجاح إن كان قد استمر فى مصر، ولماذا تبزغ نجوم علمائنا وأبنائنا فى شتى المجالات بعد مغادرتهم البلاد؟.

وإذا كان الحال كذلك فهل من حق الدولة أن تفخر بإنجاز صلاح بالفعل؟. هذه تساؤلات ناقدة، لكنها جديرة بالمناقشة، فهو نقد من داخل البناء؛ بناء الوطن، وهذا من أكثر ما يحتاجه الوطن. لذا تعال نناقش بهدوء (منطق) هذه التساؤلات، حتى إن كان هذا المنطق قد سقط فى بئر التباس المفاهيم.

لا؛ محمد صلاح - أو غيره- لم يكن ليحقق هذا النجاح فى مصر. هذا رأيى أيضا، ولكن ليس بسبب (الدولة)، بل بفعل (المنظومة)، والفارق كبير. الدولة بالطبع طرف فاعل رئيسى فى المنظومة، ودورها المطلوب منها بالتأكيد هو (المشاركة) فى إصلاحها، عبر قرارات وإجراءات تختصر - على درب التقدم- سنوات. لكن، من الذى ينفذ هذه القرارات؛ سواء تلك التى تصدر أو مازلنا نطالب بصدورها؟. ألسنا نحن؟!. الشعب؟!. الشعب طرف فاعل رئيسى فى المنظومة، ودوره المطلوب منه بالتأكيد هو (المشاركة) فى إصلاحها، عبر بذل الجهد والعمل، بإخلاص وضمير وأمل، عبر التدرب والتعلم ورفع الكفاءة والإمكانات الفردية، عبر البحث عن منفذ فى المنظومة - ولو «خرم إبرة»- نحو الحلم؛ الحلم الشخصى فى الترقى والبزوغ والنجاح، الذى يصب فى مصلحة المجموع؛ المجتمع والوطن. لكن ذلك المنفذ نحو اختراق جدران المنظومة المتهالكة لا يمكن أن يكون هو الإحباط واليأس وإدمان الشكوى من المنظومة ذاتها، فقد اتفقنا على تهالكها عبر عقود. ولكن ماذا نحن فاعلون؟!. أتكون الدولة هى المسئولة وحدها بينما دورنا المراقبة والشكوى فقط؟. أبهذا تصلُح المنظومة؟. أبهذا حكَمَتْ ضمائركم؟. عفوا، هذا ليس عدلا.

تعال نعود إلى محمد صلاح. الحق أنى أراه نموذجا للدلالة على ما أقول، لا ما تقولون، فهو فى رأيى نجم الهجوم على (المنظومة)، وليس كما توظفونه أنتم - فى ملعب الوعى السياسي- كنموذج لقائد خط الهجوم على (الدولة).

إن «التحدى الهادئ» هو - فى نظري- عنوان الرحلة فى حياة صلاح، وهو سلاحه الذى اخترق به حجب المنظومة. جاء من قريته لا يحمل على ظهره إلا موهبته، لا وساطات، ولا حياة مرفهة تسمح بتحمل الصعوبات. لكن رنين جملته الأثيرة لا شك أنه قد دوّى فى أذنيه وقتها؛ «صدّق حلمك»، حتى أصبح بالفعل لاعبا فى فريق «المقاولون» عام 2010 وهو ابن الـ 18 عاما. رفضه بعد ذلك رئيس ناد آخر كبير قائلا إنه لا يصلح لاعبا للكرة. أكان هذا قرار دولة أم إفراز منظومة عاجزة عن الفرز والاختيار؟. أكان هذا سببا لإحباط (صاحب الحلم)؟. بدأ رحلة الاحتراف فى سويسرا فى 2012، رحل إلى حيث المنظومات الناجحة، الدافعة، الرافعة. هل بهرته أضواء المنظومة الأوروبية فراح يلعن منظومة بلاده؟. أصحاب الأحلام لا يعرفون اللعن، بل العمل لأجل الحلم.

وفى انجلترا، فى 2014، ضغط مدربه فى نادى «تشيلسي» على موهبته، ولم يشركه فى المباريات إلا فيما ندر. فهل استعان صلاح بمفردات منظومته الأصلية عبر إطلاق التصريحات النارية وإلقاء قميص فريقه متمردا على عمله؟. أصحاب الأحلام لا يعرفون التمرد، بل العمل لأجل الحلم. رحل إلى الدورى الإيطالي، تألق فيه، وعاد إلى انجلترا نجما، ليبدأ مع فريق «ليفربول» رحلة الصعود الصاروخى الجميل، نحو العالمية، ومازال فى درب الأحلام - عزيزى صلاح- بقية.

أخيرا.. دقق النظر. واقرأ «رسائل صلاح» بعمق. لكن؛ أترانى بذلك أُعفى الدولة من المسئولية؟. بالطبع لا. لكن ما أطلبه منك فقط هو أن تنظر فى المرآة، وأن تبادر بإصلاح المنظومة فى ذاتك، من موقعك، وأن تعلن - الآن- التحدي، فأصحاب الأحلام حقا لا يعرفون إلا العمل، والأمل، وسوف نصل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف