الأهرام
عبد المنعم سعيد
الانتخابات الرئاسية مرة أخرى
لم أعتد، اللهم إلا فى أحوال نادرة، إعطاء هذه المساحة أو جزءا منها لتعليقات القراء أو لرسائلهم، فهذه مهمة مساحات تخصصها الصحف لهذا الغرض. هذه المرة فإننى أطلب استثناء نظرا لأن الرسالة التى تلقيتها من صديق أثق كثيرا فى حكمته، ولأن تعليقه جاء على مقال «الانتخابات الرئاسية» فى الأسبوع الماضى الذى كما ذكرت أنها سوف تكون اختبارا كبيرا لمصر والمصريين حكاما ومحكومين نتعلم منه وننضج فى أثناء ممارسته. وهناك أسباب أخرى لتحمسى لعرض ما أثاره، وهو أن مثل ذلك يجرى فى عقول كثيرة، وسوف يكون مفيدا لكل المهتمين بالانتخابات، والمقتنعين بأهميتها، أن يتفاعلوا بشأنها. ما ذكره الصديق هو ما يلى:

لكى تكون الصورة كاملة، فإنك تحتاج التعرض لموضوعين: الأول هل سوف تكون البيانات والمعلومات متاحة لكل المرشحين، لكى يقوم أو تقوم بتكوين سياسات وبرامج؟ وبكلمات أخرى هل حياد جهاز الدولة مضمون؟ وثانيا هل ستكون منافذ الإعلام متاحة للمرشح لكى يعرض أو تعرض السياسات والبرامج؟ وهل ستكون المنافذ الإعلامية المملوكة للدولة محايدة، وهل ستعطى مساحات متساوية للجميع؟ وهل المادة 72 من الدستور سوف تتبع وتحترم؟ هناك مشكلات مع جدية بعض المرشحين، ولكن هذه الاعتبارات أعتقد أنها مبدئية.

ولمن لا يعرف فإن المادة 72 من الدستور المصرى الصادر فى 2014 تنص علي: «تلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص فى مخاطبة الرأى العام». ونضيف لما سوف يأتى من حديث، أن ديباجة الدستور المصرى تقول بوضوح ساطع: «نحن نؤمن بالديمقراطية طريقا ومستقبلا وأسلوب حياة، وبالتعددية السياسية، وبالتداول السلمى للسلطة، ونؤكد حق الشعب فى صنع مستقبله، هو وحده مصدر السلطات، الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية حق لكل مواطن، ولنا ولأجيالنا القادمة السيادة فى وطن سيد».

هذا ما جاء من الصديق وما أضفناه من نصوص الدستور، لأن الاختبار الأساسى للانتخابات الرئاسية المقبلة، كما جاء فى مقال الأسبوع الماضي، يقوم على ماورد فى الدستور الذى هو الوثيقة الأساسية للدولة، والتى عليها سوف يقاس إلى أى حد تقدمنا، أو إلى أى مدى تأخرنا. النصوص الدستورية دوما ملهمة من ناحية، وأداة للقياس من ناحية أخري، ولكنها تكتسى لحما ودما بالقدر، والكيفية التى يجرى بها تطبيقها، سواء من خلال القوانين أو من خلال البشر. ولا أظن أن أحدا فى السلطة المصرية الحالية، وبالتأكيد بالنسبة للرئيس السيسي، سوف يختلف على ما جاء فى الدستور كمرشد للممارسة العملية، وحاكم لها إذا ما أجرى احتكام خلاف. ولكن الشيطان والملائكة أيضا تكمنان فى التفاصيل وكيفية التطبيق، كما أن التقاليد تتدخل أحيانا، والخبرة العملية، تطرح إشكاليات تتحدى النصوص القانونية والدستورية وتدفع إلى الاجتهاد والبحث.

وعلى سبيل المثال فإن البيانات والمعلومات متاحة بالفعل لمن يبحث عنها، لأن جميع الوزارات المعنية لها مواقع إلكترونية توضح فيها المعلومات والبيانات الخاصة بها، وكذلك الحال فى المؤسسات الوطنية المختصة بالمعلومات مثل الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء والأجهزة المماثلة تنشر وتوزع كما هائلا من المعلومات الأساسية والمهمة عن البلاد. يبقى أن المرشح لمنصب رئيس الجمهورية يحتاج ما هو أكثر من المعلومات والبيانات المتاحة من المصادر الداخلية أو الخارجية الدولية، لوضع تقديرات وسياسات وبرامج صحيحة وخاصة فيما يتعلق بالأمن القومى الذى هو المجال الحيوى لرئيس الجمهورية. فى مثل هذه الحالة فإن العرف الدولى هو أن المرشحين لا يحصلون على هذه المعلومات، أو البيانات غير تلك العلنية المتاحة للجميع، اللهم إلا إذا كان المرشح جزءا من البرلمان، ولجنة الأمن القومى فيه حيث يحصل على بعض المعلومات الإضافية. وفى الولايات المتحدة فإنه حال تصفية كل المرشحين فى الانتخابات التمهيدية للحزبين الجمهورى والديمقراطى فإن المرشح منهما خارج السلطة يحصل من الهيئات المعنية على معلومات تكفيه لكى يكون وجهة نظر.

حياد أجهزة الدولة الإعلامية ضرورى فى هذه المسألة ليس فقط احتراما للدستور، بل أيضا لكى يجعل العملية الانتخابية مجدية بحيث يقبل على التصويت من لهم حق الانتخاب. وطبقا للأرقام المعلنة فإن عدد من لهم حق التصويت يقترب من 60 مليونا، فإذا تصورنا أن 40% منهم هى الحد الذى لا ينبغى للانتخابات أن تقل عنه، فإن 24 مليونا سوف يحتاجون لمن يقنعهم بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، ولن يكون ذلك ممكنا ما لم يقتنع المواطن المصرى أن صوته مهم للعملية السياسية كلها. ولكن هذه المسألة ليست بمثل هذه البساطة، فمن ناحية فإن التجربة الدولية غير مفيدة كثيرا، لأن غالبية دول العالم ليس لديها أجهزة إعلامية للدولة، وإذا كانت موجودة مثل هيئة الإذاعة والتليفزيون البريطانية فإن لها طبيعة مستقلة عن الدولة فى الأغلب والأعم من الأوقات. فى حالتنا فإن التقاليد فيها الكثير من التبعية للسلطة التنفيذية، ولذلك فإن الأجهزة الوطنية الإعلامية والصحفية التى نشأت حديثا طبقا للدستور سوف تواجه اختبارا كبيرا فى هذه الانتخابات والانتخابات التى تليها للحفاظ على مصداقيتها. هنا فإن هذه الأجهزة سوف تواجه إشكالية خلال المرحلة المقبلة، وهى أنها ملتزمة بتغطية أخبار الدولة، وفيها الكثير من الإنجازات، فهل يعد ذلك دعاية للرئيس، والإجابة هى أنها سوف تكون فرصة كبيرة للحوار، وطرح وجهات النظر حول خطط التنمية الراهنة، وما يمكن أن يطرحه مرشحون آخرون كبدائل لما يتم إنجازه من مشروعات. فالترشح للمنصب لا يضع أجهزة الإعلام الحكومية وحدها تحت المجهر، وإنما أيضا المرشحين للمنصب الرفيع. هذا يفتح الباب للحديث عن المرشحين الذين حتى وقت كتابة هذا المقال لم يعلن رسميا إلا واحد وهو الأستاذ خالد علي، وصفته الرسمية الآن «محتمل»، ولكن فى 20 يناير سوف يبدأ السباق، وكما نحكم على الدولة، والإعلام سوف نحكم على المرشحين أيضا.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف