الأهرام
عبد الفتاح الجبالى
عصابة على بابا والشمول المالى
نجحت الشرطة المصرية أخيرا فى القبض على عصابة لسرقة المساكن الفاخرة (أطلق عليها عصابة على بابا) قامت بالاستيلاء على ما يقرب من مائة مليون جنيه ناهيك عن المشغولات الذهبية والمسروقات الأخري، فيما يعد أكبر سرقة خلال الفترة الماضية،ولكن ما يثير الانتباه هنا ان هذه الأموال تمت سرقتها من المنازل وبعبارة اخرى كانت أموالا مكتنزة فضل أصحابها الإبقاء عليها داخل المنازل بدلا من وضعها بالبنوك وهنا مربط الفرس، خاصة أن هذه السرقات تمت فى مناطق يسكنها الأثرياء والشريحة العليا من الطبقة المتوسطة (مثل التجمع الأول والخامس والنزهة والعبور والشيخ زايد) وهو ما يطرح العديد من التساؤلات يأتى على رأسها لماذا يفضل هؤلاء الاحتفاظ بالأموال بالمنزل بدلا من البنوك؟. تجدر الإشارة الى أن هذه المسالة ليست مقصورة على فئة محدودة بل هى سمة أساسية من سمات المجتمع ككل وإن اختلفت صور التعامل النقودي، وليس أدل على ذلك من قضايا توظيف الأموال التى تظهر بين الحين والآخر والتى تتعامل فى ملايين الجنيهات، ومع نفس الشرائح الاجتماعية، الأمر الذى يدفعنا للقول بأن العادات السائدة لدى معظم الافراد فى المجتمع مازالت بعيدة تماما عن مفهوم التعامل المصرفى ومازالت تفضل التعاملات النقودية فى جميع الأمور والأحوال والصفقات، الصغيرة منها والكبيرة. وللأسف فان هذه الظاهرة لا تقتصر على الشرائح الدنيا من الافراد، كما يتصور البعض، ولكنها تمتد لتشمل جميع شرائح المجتمع، والأهم من ذلك أنها تشمل ايضا العديد من المؤسسات العاملة فى الاقتصاد المصري، مثل الفنادق والنوادى والمدارس والجامعات الخاصة وغيرهم.

ويبدو ان الحكومة قد أدركت خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه لذا قامت بالعديد من الإجراءات منها إنشاء المجلس القومى للمدفوعات واتخاذ العديد من القرارات التى أصدرها رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية مثل دفع الرواتب الحكومية بالكروت البنكية وكذلك تحصيل الضرائب والجمارك ببطاقات الدفع، وعلى الجانب الآخر قام البنك المركزى والبنوك التجارية بحملة واسعة لتشجيع التعاملات المصرفية بدلا من التعاملات النقودية السائدة بالمجتمع فى إطار الشمول المالى الهادف الى تيسير الوصول الى واستخدام وتقديم المنتجات والخدمات المالية الرسمية الى مختلف الشرائح فى المجتمع، بأسعار معقولة وبعدالة وشفافية بدلا من الحصول عليها من خلال القنوات غير الرسمية وهكذا يسعى النظام الى توسيع نطاق العمل المصرفى ليشمل جميع الفئات والسكان وعلى الرغم من ذلك فان المتتبع لمدخرات القطاع العائلى يجد أن معدلات زيادتها فى تناقص مستمر، سواء داخل الجهاز المصرفى أو توفير البريد وشهادات الاستثمار. ويعود السبب الى مجموعة من العوامل والسمات التى يتسم بها المجتمع يأتى على رأسها تخلف العادات المصرفية لدى قطاع كبير من الأفراد وعزوفهم عن التعامل مع البنوك مفضلين التعاملات النقودية وهو ما يحرم هذه البنوك من جانب لا بأس به من المدخرات نتيجة لتسربها الى خارج الجهاز المصرفى وهى النقطة التى تحسن شركات توظيف الأموال استغلالها تماما. فضلا عن انتشار بعض القيم السلبية فى المجتمع تجاه التعامل المصرفي، وسيادة انطباع لدى البعض بان هذه التعاملات هى تعاملات ربوية وبالتالى مخالفة للشريعة الاسلامية، الأمر الذى أدى الى إحجام نسبة لا بأس بها من الافراد عن التعامل المصرفي، وذلك رغم المحاولات التى قامت بها بعض البنوك بانشاء فروع للمعاملات الاسلامية. ورغم عدم صحة هذه المقولة تماما وهو ما أوضحه العديد من الفتاوى الاسلامية المهمة، إلا أن هذا الانطباع مازال سائدا لدى شريحة لا بأس بها من الافراد، خاصة فى الريف. هذا فضلا عن غياب أدوات الاستثمار المناسبة والملائمة للمدخر الصغير فى المجتمع عموما وفى القرى والنجوع على وجه الخصوص وعدم نجاح الجهاز المصرفى حتى الآن، فى تقديم الخدمات المصرفية المطلوبة فى الريف والقري، ولا الوجود بالقرب منهم وفى أماكن يسهل الوصول اليها، وهى القضية التى يجب ان ننشغل بها جميعا لوضع آليات ووسائل لتشجيع البنوك المصرية على فتح المزيد من الفروع فى الريف والقرى المصرية، اذ إنه رغم توسع البنوك فى إنشاء العديد من الفروع والتى وصلت فى نهاية يونيو 2016 إلى 2863 فرعا (منها 1179 فرعا لبنوك القطاع العام و1687 فرعا لبنوك القطاع الخاص) إلا إنها مازالت لا تتناسب مع عدد السكان, وأيضا تعانى مشكلة التركز، إما فى القاهرة الكبرى أو بعض المحافظات الحضرية وفى مدن هذه المحافظات ولم تحقق الانتشار المصرفى المطلوب فى جميع مدن وقرى مصر (تستحوذ القاهرة على نحو 33% من الفروع بينما عدد سكانها يمثلون 10.5% من إجمالى السكان، وكذلك الإسكندرية تستحوذ على 10% من الفروع مقابل 5.4% من السكان والجيزة 13.5% من الفروع مقابل 8.6% من السكان وعلى النقيض من ذلك تستحوذ محافظة قنا على 1.7% من الفروع بينما يسكن بها نحو3.5% من السكان، ونفس القول على سوهاج والتى يوجد بها 2.2 % من الفروع مقابل 5.3% من السكان، والبحيرة 2.2% من الفروع مقابل 6.6% من السكان) وبالتالى مازالت البنوك غير قادرة على خدمة المواطنين العاديين والفلاح البسيط، ولم تقم إلا بمبادرات محدودة للغاية لاجتذاب هذه الأموال. أما المجموعة الأخرى من العوامل فهى تكمن فى ارتفاع نطاق القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد والمجتمع. اذ إن المسالة تكمن فى كيفية تنظيم وترشيد تدفق المدخرات المالية لدى القطاع العائلى وجذبها داخل دولاب الاقتصاد القومي، وهو ما يتطلب تحقيق مصلحتين الأولى مصلحة الأفراد فى الحصول على العائد المناسب من استثمار هذه الأموال، والثانية ضمان حسن استخدام هذه الموارد بما يعود بالنفع على المجتمع.

كل هذه العوامل وغيرها أدت الى هروب الأفراد من الجهاز المصرفى والذى فشل حتى الآن، على الأقل، فى تغذية الروح الادخارية لدى المواطن العادي, نظرا لتعقيدات المعاملات البنكية، ورغم الإجراءات العديدة التى يقوم بها الجهاز المصرفي، الا أن الطريق مازال طويلا وشاقا لتحويل المجتمع الى التعاملات المصرفية، ويحتاج الى تضافر الجهود بغية تغيير العادات السائدة وكذلك قيام البنوك بتوسيع دائرة الاهتمام لتشمل كل قرى ومدن مصر مع إزالة العقبات أمام تسهيل المعاملات.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف