تعليقا على كلمتى أول أمس (الاثنين) بعنوان «ناصر الحبيب» بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد جمال عبدالناصر، اتصل بى صديق عزيز معاتبا على ما اعتبره مبالغة شديدة فى الإشادة بعبدالناصر وقال إن عبدالناصر بالإصلاح الزراعى فتت الأرض الزراعية، وبالقرارات الاشتراكية دمر الصناعة المصرية، وقتل المشروعات الخاصة والرأسمالية المصرية الواعدة، فضلا عن الديكتاتورية وانعدام الديمقراطية وكبت حرية الصحافة، وسيطرة الأمن على كل نواحى الحياة، والتنكيل بالمعارضين وإيداعهم السجون... إلخ والحقيقة أننى لن أختلف من حيث الجوهر مع كثير من تلك الانتقادات، ولو أن بعضها يمكن تفسيره ـ ولا أقول تبريره ـ فى ضوء ظروف المرحلة التى تمت فيها. ولكن المدهش هو أن تلك المثالب الخطيرة للنظام الناصرى،لا تنفى الحقيقة التى رصدتها وهى الحب الجارف الذى حملته الغالبية الساحقة من الشعب لعبدالناصر. ولقد قصدت استخدام تعبير «الحب» لوصف علاقة الشعب بعبدالناصر، بما يعنيه جوهر تلك الكلمة كحقيقة نفسية وعاطفية أكثر منها سياسية، وإلا فكيف نفسر رد الفعل الشعبى التلقائى لهزيمة 1967 المهينة، والذى كان لى بمنزلة درس سياسى عميق! فبعد أن اعترف عبدالناصر بالهزيمة وأقر بمسئوليته عنها فى 9 يونيو خرج الملايين إلى الشوارع فى كل أنحاء مصر، بشكل تلقائى يستحيل تخطيطه ـ وأنا هنا أتحدث كشاهد عيان ـ لا سخطا عليه أو طلبا لمحاسبته، وإنا لمطالبته بالبقاء والاستمرار فى البقاء، مرددين كلمة واحدة «حنحارب.. حنحارب»! هل كان هذا تصرفا سياسيا تقليديا؟ لا.. كان تصرفا عاطفيا تلقائيا صادقا، كان تعبيرا عن الحب قبل أى شىء آخر، وفى الحب الحقيقى فإن المحب يكون مستعدا لأن يغفر لمن يحبه كل شىء، وبسبب هذا الحب غفر الشعب لعبدالناصر خطاياه الجسيمة، التى لن أختلف أبدا حول تفاصيلها. إنه الحب والعواطف، وليست السياسة والمصالح!