الوطن
د. محمود خليل
الوزير و«الصعايدة»
تصريح غير موفق جاء على لسان وزير التنمية المحلية الجديد، اللواء أبوبكر الجندى، فقد ذكر فى مداخلة تليفزيونية مع الإعلامى «تامر أمين»، بعد توليه الوزارة، أن «الصعيد يعتبر التكليف الحقيقى للوزارة، عندنا تشجيع الاستثمار علشان نخلق فرص عمل، ونبطل الصعايدة يركبوا القطر وييجوا هنا القاهرة يعملوا لنا هنا عشوائيات». أتفهم أن الوزير كان يتحدث عن تنمية الصعيد بالصورة التى تغرى أبناءه بعدم تركه والزحف نحو القاهرة بحثاً عن فرص أفضل للحياة، لكن هذا لا يمنع من عدم توفيقه فى عبارة «الصعايدة بييجوا القاهرة يعلموا لنا عشوائيات».

معاناة الصعيد ليست جديدة، فما أكثر ما عانى أهله طيلة العقود الماضية. وفى الوقت الذى كانت تعانى فيه محافظات الصعيد من التهميش وعدم اكتراث الحكومة المركزية بتنميتها لم يكن الصعيد يبخل على المركز بعطاء، فإليه صدّر الرؤساء والوزراء والمفكرين وأساتذة الجامعات والشعراء والروائيين والمبدعين على مستوى العلوم وقراء القرآن الكريم. تذكر فقط أشهر مقرئى القرآن الكريم -كمثال على عطاء الصعيد- وستعلم أن أى قارئ شهير يأتى على بالك جاء إلى القاهرة من قلب الصعيد. الشيخ محمد رفعت من المنيا، بيت الشيخ المنشاوى بقرائه الثلاثة (صديق ومحمد ومحمود) من سوهاج، الشيخ عبدالباسط عبدالصمد من قنا، قارئ القرآن الكريم والمنشد الشيخ طه الفشنى من بنى سويف. الصعيد كنز من كنوز هذا البلد على كل المستويات. وقد تمكن مبدعوه الذين جاءوا من قلب التهميش من رسم خرائط العقلانية والتنوير -وليس العشوائية- فى ربوع القاهرة المعزية (طه حسين نموذجاً). مثلما أعطى أبناء الوجه البحرى والقاهرة أعطى أبناء الصعيد، وقد لا يكون من المبالغة أن أقول إن الصعيدى هو أقدر المصريين على استخلاص التميز والإبداع من قلب المعاناة.

لم يكن الوزير يقصد الإساءة بالطبع إلى «الصعايدة»، لكنه عبر من خلال قوله عن رؤية قاهرية تحكم النظرة إلى الصعايدة، فأعينهم تنظر إلى الصعايدة فلا تبصر سوى العمال والبسطاء الزاحفين إلى القاهرة، وبسبب تكوينهم التاريخى و«جدعنتهم» المعروفة فإنهم يميلون إلى التجمع فى مكان واحد يقتسمون فيه اللقمة والحلم والهم، وهى تلك المناطق التى يصفها المسئولون بالعشوائية. وكما أنه لا يوجد متخم إلا بما حرم منه جائع، كما كان يقول على بن أبى طالب رضى الله عنه. فلا يوجد عشوائى أو عشوائيات فى هذا البلد، إلا بسبب إهمال مسئول. وأود أن أذكّر الوزير الجديد بأنه ليس أول وزير يتحدث عن تنمية الصعيد، لقد سمعنا هذا الكلام مراراً وتكراراً على لسان وزراء ومسئولين، ولم يزل الصعيد محلك سر. بدلاً من فتح الصدر بالكلام وجرح مشاعر البشر أولى بالمسئول أن يفتح صدره فى العمل على الأرض. وعلى الجميع أن يتذكر أن سكان العشوائيات، سواء من الصعايدة أو البحاروة أو القاهريين، هم وقود الدفاع عن هذا الوطن، والمجندون من أجل حمايته، وأكثر شهداء هذا البلد منهم، بدءاً من شهداء الحرب مع إسرائيل، وانتهاءً بشهداء الحرب على الإرهاب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف