بوابة الشروق
خالد أبو بكر
عن أبوبكر الجندى وتنمية الصعيد
(1)


تابعت بأسى شديد تلك الضجة التى أثارها التصريح المثير للجدل عن أهل الصعيد ــ الذين أشرف بكونى واحدا منهم ــ الذى أدلى به اللواء أبو بكر الجندى، وزير التنمية المحلية فى أول مداخلة هاتفية له عقب الإعلان عن توليه المقعد الوزارى. سبب ما عانيته من أسى هو حزنى لتعرض هذا الرجل لهذا الموقف الذى لا يستحق الوقوع فيه؛ لأننى على ثقة من أنه لم يقصد أبدا الإساءة لأبناء الصعيد.

أعرف اللواء الجندى منذ سنة 2002، عندما كان رئيسا لهيئة تدريب القوات المسلحة، وكنت طالبا مقاتلا فى كلية الضباط الاحتياط، التى كان دائم التردد عليها لحرصه الشديد على حسن تأهيل وتدريب طلابها قبل أن ينضموا لوحدات وتشكيلات القوات المسلحة ضباطا قادرين على تحمل المسئولية فى خدمة الوطن.

الانطباع الذى ترسب فى نفسى من خلال لقاءات الجندى المتعددة بأبناء دفعتى أن الرجل رغم صرامته المعروفة وحرصه الأكيد على بلوغ أعلى درجات الإتقان فى أى عمل يسند إليه، إلا أنه ذو أدب جم، ولسان عف، ولديه قدرة كبيرة على أن يشعل الحماس فى نفوس من يعملون تحت قيادته، فيجعلهم يبذلون أقصى درجات الجهد حبا فيه لا خوفا منه.

تأكد هذا الانطباع فى لقاءات عديدة جمعتنى باللواء الجندى، خلال فترة عمله رئيسا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، معظمها كان فى ندوات استضافته فيها «الشروق»، وكم كنت سعيدا بالنجاح الذى حققه فى هذا الجهاز المهم، وكذلك بانفتاحه على الصحافة والإعلام، وميله إلى إتاحة المعلومات لا إخفائها، وتسهيله عمل الباحثين، وحرصه على تأهيل كوادر شابة من العاملين فى الجهاز لتحمل المسئولية.

(2)

نعم.. إن ظاهر ما صرح به الجندى يفهم منه أنه يربط بين زحف الصعايدة على القاهرة وتكوين العشوائيات، وهو ما اعتذر عنه الرجل بكل شجاعة؛ ولذلك علينا أن نتوقف عند هذا الحد فى هذا الموضوع، ودعونا نسأل الوزير الجديد الذى أبدى حماسا شديدا لتنمية الصعيد، الذى يؤكد دوما على أنه أهمل خلال العقود الماضية، وأن نسبة الفقر فى بعض مناطقه تصل حد الـ60%: ما هى خطتك لهذه التنمية المنشودة، التى ستجعلنا نركب القطارات مسرعين فى اتجاه الجنوب، وهو حلم كل صعيدى بالمناسبة؟.

إن الحديث العام عن تنمية الصعيد وعن الإهمال الذى تعرض له هو حديث دائم ومتكرر لكل رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات ووزراء الحكم المحلى أو التنمية المحلية منذ أن وعينا على الدنيا، لكنه حديث أجوف لم يترجم فى يوم من الأيام إلى واقع ينعكس بالإيجاب على أبناء الجنوب، الذين يعانى الكثير منهم بالفعل من شظف العيش، لا سيما بعد انهيار دول كانت مقصدا لهم فى كسب الرزق خاصة العراق وليبيا، ومع اتجاه بقية دول الخليج لتوطين الوظائف بها.

الجديد الذى ننتظره من الوزير الجندى هو الإعلان عن خطط واقعية لتنمية محافظات الصعيد، تتوفر النية لدى الحكومة لتنفيذها، ومن أهم شروط واقعية هذه الخطط الإعلان عن جداول زمنية واضحة ومحددة بدقة لتنفيذها، حتى لا يتكرر مسلسل الكلام الأجوف عن «الصعيد المحروم» التى مللتها آذان أبنائه؛ وتاليا فإننى أعتبر أن المعيار الموضوعى الحقيقى لنجاح أى مشروع للتنمية فى الصعيد هو عدد فرص العمل التى سيوفرها لأبنائه، وغير ذلك يعد من باب «الضحك على الذقون».

(3)

فى الختام أقول للنواب الصعايدة الذين هبوا دفاعا عن كرامة كل صعيدى، إن هذه الغضبة أولى بها أن توجه ضد قرار المجلس الأعلى للجامعات الذى حرم أبناء الصعيد من دخول الكليات المرموقة والعريقة فى جامعة القاهرة، مثل الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية، وأجبرهم على الدخول لكليات حديثة تفتقر للحدود الدنيا من الإمكانيات رغم تفوقهم، بحجة التوزيع الجغرافى، أو «لأن الطلاب الصعايدة يزحمون مواصلات العاصمة، ويأكلون ويسكنون فى المدن الجامعية»، كما قال أمين عام المجلس الأعلى للجامعات السابق، الدكتور أشرف حاتم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف