المساء
خيرية البشلاوى
تجديد الخطاب الديني
منذ سنوات قليلة أثيرت قضية تجديد الخطاب الديني والثقافي ضمن قضايا أخري اقتصادية واجتماعية في مؤتمر نظمته الهيئة القبطية الانجيلية شارك فيه مجموعة من أساتذة الجامعات والكتاب ومنهم الناقد الأدبي والكاتب الصحفي بالأهرام المرحوم سامي خشبة وكان واحدا من الذين طرحوا منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي مفهوم تجديد الخطاب الثقافي والخطاب الديني. وفي رأيه المنشور في كتاب أصدرته الهيئة يضم جميع أبحاث المؤتمر يقول:
إنه لا يمكن الفصل بين الخطاب الديني والخطاب الثقافي فالخطاب الديني جزء أساسي من الخطاب الثقافي. وهما معا في حالة تكامل وتفاعل مستمر. ومن وجهة نظره. يري أن الخطاب أو الموروث الديني الإسلامي والمسيحي يحتاج إلي تجديد. وهذا هو المدخل الوحيد الصحيح لتجديد خطابنا الثقافي. أي إننا بدون تجديد الخطاب الديني يستحيل تجديد الخطاب الثقافي.
فالخطاب الديني خطاب فاعل ومؤثر في كل الثقافات بشكل عام. وفي ثقافتنا المصرية خاصة. ولو اننا استعرضنا معا تاريخ أي ثقافة من ثقافات العالم سنكتشف مدي عمق التفاعل بين الخطابين. وسنكتشف أيضا أن تجاوز ونقد وتجديد الخطاب الديني كان هو الأساس والجوهر لتجديد الخطاب الثقافي وربما للتجدد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أيضا فعلي سبيل المثال والأمثلة كثيرة جدا. كان الخطاب الديني الكاثوليكي في أوروبا ينطلق من أن الأرض هي مركز الكون. لأن يسوع "عيسي عليه السلام" ظهر أو تجسد أو نزل علي هذا الكوكب ويستحيل أن يكون هذا الظهور علي كوكب هو مجرد ذرة صغيرة ملقاة في الكون. أي أن ظهور يسوع يجب أن يكون علي كوكب هو مركز الكون.. لكن العلم اكتشف أن الأرض ليست هي مركز الكون وأن الشمس هي المركز أو علي الأقل هي مركز المجموعة الشمسية. فأدي هذا الاكتشاف إلي تغير نظرة المجتمع الأوروبي كله إلي وضع الإنسان في الكون. وعلاقة الإنسان بنفسه وعلاقته بهذا الكوكب الخ... وهو ما أدي إلي انفتاح الطرق أمام التفكير من جديد في دور ووظيفة الإنسان. وأهمية سيطرته علي الطبيعة وإخضاع قوانينها لمصلحة الإنسان من أجل تطوير شامل للاقتصاد والاجتماع إلي آخر ما ترتب علي كل ذلك من وقائع معروفة.
أي أن تجديد الخطاب الديني في أوروبا كان فاتحة مهمة جدا لعملية نمو ضخمة في المجتمعات الغربية. نعرف الآن إلي أين وصلت وإلي أي حد يمكن أن تصل أيضا مقابل ذلك نجد أن تاريخنا نحن شهد عملية تجميد للخطاب الديني. مع تجميد الاجتهاد في الدين. وذلك عندما أصدر الخليفة العباسي المتوكل مرسوما بوقف الكلام في المسائل التي أثيرت في أزمة ¢المحنة الكبري¢ التي بدأت في عصر الخليفة المأمون. وكانت هذه المسائل متعلقة بمدي قدم القرآن وكيفية خلقه الخ.. والاكتفاء بما قاله الأئمة الأولون. ولا يعني ذلك أن الموضوع كان مجرد قرار صدر ولكن كانت هناك بنية اجتماعية سياسية مواتية لعملية وقف الاجتهاد وتجميد الفكر وبالتالي تجميد الخطاب الديني علي ما هو عليه. عملية التفاعل تلك بين السياسي والاجتماعي والديني أفرزت مناخا جعل الخليفة المتوكل يري أن حل الأزمة يستوجب ضرورة وقف ما كان يراها تمزقا في الأمة. وهو ما لا يتحقق إلا بمنع الكلام والكف عن التفكير وبالتالي تجميد الاجتهاد وتجميد الخطاب الديني. وبما يعني في حقيقة الأمر بدء تراجع الأمة وفقدانها لقواها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. والعكس صحيح فإن تجديد الخطاب الديني يؤدي إلي تجديد الخطاب الثقافي ويفتح الطريق أمام تطور اجتماعي وسياسي واقتصادي.
ولكن هل فات أوان هذا التجديد؟؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف