مصر لن تحارب اشقاءها، ولا تتآمر علي أحد.. كلمات موجزة، حاسمة من الرئيس السيسي، أعلنها للجميع في الداخل والخارج.. حدد فيها موقف مصر من كل الادعاءات التي طالتها بأنها تتحرك عسكريا لضرب السودان وأثيوبيا، باستخدام الأراضي الاريترية.. وهو ما نفاه الرئيس الايتري.
حينما يتحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تتخطي الكلمات معناها.. فهي قرارات صارمة حاسمة لموقف مصر الدائم بأنها لا تعتدي علي أحد.. ولا يمكن أن تكون مصر التي جاهدت لغيرها أكثر من جهادها لنفسها علي مر العصور الحديثة، لتحرر أشقاءها العرب والأفارقة من الاستعمار، هي من يعتدي علي غيرها.
هذه هي مصر التي دعمت الحركات التحريرية في هذه البلدان من أجل الانتصار للحق والحرية.
في تصوري إن رسالة الرئيس السيسي التي اعلنها في خطاب رسمي بمناسبة ذكري ميلاد الرئيس الراحل عبدالناصر، لم تكن مصادفة، وإنما كانت مقصودة من رئيس محنك وذكي مثل الرئيس السيسي.. خاصة ان توقيت إعلانها أيضاً جاء قبل ساعات من زيارة رئيس وزراء أثيوبيا هايلي ماريام ديسالين لمصر.. كرسالة طمأنة وترحاب في نفس الوقت.
لقد حرص الرئيس السيسي أن يعلن أمام العالم في مئوية ميلاد الزعيم عبدالناصر أن مصر التي جاهدت للقضاء علي السيطرة الأجنبية علي مقدرات بلادنا، وإعادت الحكم لأبنائها ووضعتها علي طريق المستقبل والحرية والتنمية.. مصر ملهمة ثورات التحرر في المنطقة العربية وكل أرجاء العالم في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.. مما رفع اسم مصر ومكانتها عالياً وباتت رمزاً لمبادئ الكرامة والوطنية والاستقلال، وعدم الانحياز في السياسة الدولية.. لا يمكن أن تنسي تاريخها وتبادر بالاعتداء علي الأشقاء.
ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسي بالأمس القريب يتفق تماماً مع ما سبق وأن قاله بأننا دعاة سلام وصناع حضارة امتدت لآلاف السنين .. فهذا هو يقينه.. هل يعقل أن تختم مصر تاريخها الشريف باعتداء علي أشقاء عرب أو أفارقة.. الذين طالما ما اتخذوا من مصر ملاذا آمناً لهم من ظلم وعنف ومن وطأة استبداد تعرضوا له في بلدانهم في كثير من العهود.
ورغم الظروف القاسية التي تتعرض لها مصر.. إلا أنها رفضت أن تكون طرفاً في نزاع داخلي في أي بلد في اليمن أو لبنان أو سوريا أو حتي في ليبيا.. فهي دائماً ما تنحاز للشرعية الدولية وتحترم الشأن الداخلي لكل الدول.
وأي عاقل لا يتصور أن تدعم مصر أي قلاقل في السودان.. فهي الظهير الجنوبي لها واستقراره يدعم استقرارها.
ومن الخطأ أن تختصر العلاقات المصرية والإثيوبية والسودانية في أزمة سد النهضة.. حتي إن اختلفت الرؤي وتهدد أمن مصر المائي.. فمازالت مصر تعقد آمالاً علي نقطة للتلاقي بين البلدان الثلاثة.
وإذا كانت منابع النيل في إثيوبيا، فالمصب في مصر.. أي أن النيل يجمعنا ولا يفرقنا.. وإذا كان هذا من الناحية الجغرافية.. فالتاريخ يؤكد أن الحبشة كانت ملاذاً آمناً للهجرة الأولي للمسلمين.. للملك النجاشي الذي وصفه رسول الله بأنه ملك عادل.. وصلي عليه الرسول صلاة الغائب عندما علم بوفاته.. ولا تزال الروابط الإسلامية موجودة بين الأزهر في مصر ومسلمي إثيوبيا، هذا بالإضافة للعلاقة الدينية بين كنيسة الإسكندرية والكنيسة الإثيوبية.. كل هذا يؤكد علي عمق العلاقات الروحية بين بلادنا.
وإذا كان هناك توتر في العلاقات بين البلدين في الفترة ما قبل ثورة 25 يناير وحتي قبل تولي الرئيس السيسي بفترة قصيرة.. بسبب إنشاء سد النهضة، وما ترتب عليه من تهديد لحصة مصر المائية وتأثيرها علي الشرب والزراعة في مصر.. بالإضافة إلي شكوي الجانب الإثيوبي من وتيرة التهديد، وأسلوب التعالي والتخوين في تمويل هذا السد من جهات معادية والتي كان يرددها الجانب المصري وقتها.. وهو ما صرح به الجانب الإثيوبي في جلسات المباحثات المغلقة.. والتي جاءت في صورة رسائل بأن مصر ستضرب السد إذا قامت إثيوبيا ببنائه.. وهو ما عقد جلسات التفاوض بين البلدين.
إلا أنه بمجيء الرئيس السيسي نجحت مصر في وضع سياسة جديدة احترمت فيها تظلمات شعب إثيوبيا من عدم وجود كهرباء تتناسب مع طموحاتهم التنموية.. ونجح الرئيس السيسي في طمأنة الشعب الإثيوبي بأننا لسنا بدولة معتدية وظالمة تنكر حقوق الآخرين في النماء والتنمية.. وتم توقيع اتفاق المبادئ ليحترم الطرفان حقوق البلدين.. وتلتزم فيه مصر بالحوار البناء مع إثيوبيا.. وتلتزم إثيوبيا بتجنب أي ضرر محتمل من سد النهضة علي استخدامات مصر من المياه.
ونجح الرئيس السيسي بذلك في استعادة مصر لريادتها الإفريقية في كل المجالات السياسية والاقتصادية.. وعالج كل التشوهات التي تعرضت لها خلال السنوات القليلة الماضية.. والدليل علي ذلك هو زيارة رئيس وزراء إثيوبيا لبلادنا، وطلبه أن يمثل أمام مجلس النواب ليجيب علي كل التساؤلات.. وكأنه يمثل في استجواب تطوعي أمام البرلمان المصري.. وإن دل ذلك علي شيء فإنه يدل علي نجاح الرئيس السيسي فيما فشل غيره فيه في سنوات سابقة.