فى جميع الأحوال وأياً كانت أسماء المرشحين لن تكون هناك انتخابات حقيقية فى مصر، فهل يوجد مرشحون يعبرون عن قوة اجتماعية حقيقية وموجودة على الأرض؟! وهل يوجد مرشحون يعبرون عن تيارات رئيسية لها اتجاهات واضحة وبرامج متفاعلة مع الشعب ومع الرأى العام ولها ظهير شعبى واضح؟ وهل توجد شخصيات وطنية لها تاريخ وعطاء وطنى كبير وجماهيرية كبيرة؟ ولو طبقنا هذه المواصفات سواء على من أعلنوا ترشيح أنفسهم أو من كانوا فى مرحلة التفكير فلن تجد اسم أى مرشح وبالتالى فالإجابة بالنفى عن جميع الأسئلة، وهذا ليس تقليلاً من الأسماء التى أعلنت نيتها عن الترشح، ولكن هذه حقائق تضع الأشياء فى حجمها الطبيعى، وأقصى ما يمكن أن يتحقق فى الانتخابات المقبلة هو اجتهاد من بعض الشخصيات لترسيخ مبدأ الحق فى خوض المنافسة على منصب رئيس الدولة، وهذا فى حد ذاته جيد ولكن سيبقى مجرد إثبات نظرى لأهمية فكرة الانتخابات التنافسية على الرئاسة فى مصر، وهناك محاولات أخرى عبارة عن مماحكات أو احتقانات سياسية، وهناك المهاويس وطالبو الشهرة، وهذه حالات لا تشكل معركة حقيقية أمام رئيس جاء فى ظرف تاريخى مهم، والمؤكد أنه أدى أداء شديد الإخلاص والحيوية والجرأة على مدار الأربع سنوات، وأنجز إنجازات قياسية فى أزمات كانت مزمنة وملفات كانت راكدة، وبصرف النظر عن الاختلافات السياسية فهى تبقى هوامش لا تغير من الحقيقة شيئاً، والتعامل مع هذه الانتخابات باعتبارها محسومة للرئيس خطر كبير إذا لم يكن عليها إقبال كبير من الناخبين، المهم أن يكون عدد الناخبين كبيراً، لأنه يعبر عن جزء مهم من شرعية الرؤية الوطنية لمصر بعد 30 يونيو، فالأصوات التى ستذهب للرئيس أصوات تؤكد تمسكها بشرعية الدولة المصرية الوطنية وليست دولة الجماعة أو الدولة الدينية أو الدولة سابقة التجهيز فى الخارج، فنزول الناس أكبر من فكرة انتخابات رئاسية، والأهم أيضاً من الانتخابات المقبلة هى الانتخابات بعد المقبلة، والمفترض أنها ستكون أهم انتخابات فى تاريخ مصر، وعلينا أن نفكر فيها، فالدستور ينص على أن الرئيس لديه فترتان فقط، وبالتالى لو مرت الأربع سنوات المقبلة ونحن أمام نفس الفراغ الحالى فستكون هناك مشكلة كبيرة، هذا الفراغ مسئولية الرئيس والدولة بجهازها التنفيذى كما هى مسئولية المجتمع ككل؟ فالأربع سنوات الأولى للرئيس لم تكن العصر الذهبى للديمقراطية أو الحريات، ولكن يمكن تفهم أن الظرف التاريخى الذى تم انتخابه فيه وتفهم أن الحرية السياسية تتراجع أمام أولويات أهم، فنحن كنا أمام مجتمع ممزق ومهدد بالكامل فى وسط منطقة مهددة، وفى الدورة الثانية لا بد أن تكون سنوات للبناء تبنى فيها حياة سياسية حقيقية ينتج عنها قادة وظهير شعبى، ولا بد أن تتسع فيها مساحات الحرية بعيداً عن من يمارسون السياسة بسبب العقد النفسية أو الصياح والصخب والمراهقة السياسية، بناء حياة سياسية ستكون نتائجها كوادر سياسية مهمة ومؤثرة وتشكل برلماناً قوياً وتفتح الأبواب لتداول السلطة، مع وجود أحزاب حقيقية قوية يمكنها تداول تشكيل الحكومات، فالانتخابات بعد المقبلة هى الاختبار الحقيقى.