تحدثنا في المقالتين السابقتين عن السلام الذي نتمني أن يتحقق في العام الجديد؛ وأعقبتهما مقالة "حديث إلي وليد المذود" من أجل انتشار السلام والفرح والخير في بلادنا وفي العالم. وقد شهد هذا الأسبوع مؤتمرًا بعنوان: "معًا ضد الإرهاب" الذي علي هامشه أجد أننا يجب أن نعي دَور "أبناء مِصر معًا" وندرك أهميته في التصدي لكل أخطار تُحيق بها، وبهم، وأحدها الإرهاب.
السر الأول من نجاح أيّ عمل هو كلمة "معًا"؛ ففي جولة سريعة بين صفحات التاريخ المِصريّ نجد قوة البلاد تأتي من تكاتف أبنائها فاستطاعوا أن يحققوا ما تمنَّوه؛ وفي هذه الصفحات المشرقة نري أعلام الفكر المِصريّ الذين وضعوا أسس النهضة في العصر الحديث، ومنهم رائد التنوير الشيخ "رفاعة رافع الطهطاويّ" الذي تحدث في كتاباته وأفكاره المستنيرة عن حب الوطن والانتماء إليه والعمل علي بنائه بأيدي أبنائه جميعًا ليكون مجالًا للحياة السعيدة والكريمة للجميع، فقال: "ليكُن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بيننا؛ نبنيه معًا بالحرية والفكر والمصنع.". مثال آخر في التنوير والدعوة إلي المساواة بين المِصريِّين جميعًا، دون النظر في معتقداتهم، كان في الشيخ "مُحمد عبده" الذي لم يفرق بين أبناء الوطن الواحد بسبب الاعتقاد الدينيّ، فكتب عن حزبه يقول إنه للمِصريِّين جميعًا: "... وجميع النصاري واليهود، وكل من يحرث أرض "مِصر" ويتكلم لغتها، منضم إليه، لأنه لا يُنظر لاختلاف المعتقدات، ويُعلم أن الجميع إخوان، وأن حقوقهم في السياسة والشرائع متساوية...".
صفحة أخري مضيئة شهِدتها "مِصر" عندما اتحد أبناؤها معًا إبان الثورات والحروب والمواقف الوطنية التي تُعلي من شأن الأمة، دون تمييز دينيّ بين أبناء الوطن؛ فلا يمكن أن يمحو الزمن من ذاكرة التاريخ مشهد كفاح المِصريِّين معًا لمقاومة الاستعمار في ثورة 1919م، حيث لا يمكنك أن تميز بين مسلم ومَسيحيّ في الثورة؛ فـ"الوطن للجميع". ولن تُمحي أيضًا كلمات "مكرم عبيد" الذي خطها عندما قدم استقالته من منصبه سكرِتيرًا للمستشار القضائيّ الإنجليزيّ للحكومة المِصرية، فقال: "إن اختلاف الدين لا يجوز أبدًا أن يغير شطر الوجهة السياسية في أمة اتحدت لديها القومية والجنس واللغة وعُهود التاريخ والعادات، وإني لأشعر أن الوقت قد قرب أو حان عندما لا تُعرف بيننا إلا كلمة "مِصري"،ّ ولا يُذكر "المسلم" و"القبطي"ّ إلا في دُور العبادة.".
كذلك تشهد صفحات التاريخ أن الدماء المِصرية من المسلمين والمَسيحيِّين اختلطت معًا دفاعًا عن الوطن أثناء المعارك التي خاضتها "مِصر" علي مر تاريخها، ولم نرَ سوي مِصريِّين يقدمون حياتهم فداءً للوطن في شجاعة نادرة وبطولات لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
وللحديث بقية..