أمال عثمان
أوراق شخصية الملياردير المتغطرس.. والأوكار القذرة «2»
طرحت في مقالي السابق تساؤلا حول السبب الذي جعل كتاب "نار وغضب" الأكثر قدرة علي إحداث زلزال مدوٍ، ليس في الولايات المتحدة فحسب، وإنما في العالم، والحيثيات التي جعلته الأكثر مبيعا علي الإنترنت، وعدم توقف الطلب عليه منذ نفاذ طبعته الأولي يوم صدوره.
وهو ما لم يحدث مع كتب عديدة أخري سبقته، وتناولت شخصية الرئيس ترامب بشكل عدائي وهجومي ساخر؟! فالكتاب لا يحوي من الأسرار والخفايا أو الصراعات والخلافات، ما لم يسبق خروجه من داخل كواليس ودهاليز البيت الأبيض في وسائل الإعلام، اللهم قصة هنا أو معلومة هناك، ترسخ الصورة الذهنية التي اكتشفها الرأي العام خلال العام الرئاسي الأول، وتفسر عجائب وغرائب وطرائف تغريدات "ترامب" التي لم نعهدها من أي رئيس دولة سابق!!
وفي تقديري أن هناك محركين رئيسيين جعلا من هذا الكتاب بمثابة كرة من النار، الأول أن المؤلف "مايكل وولف" وثّق شهادات ومقابلات، أجراها مع حلفاء ترامب وكبار مساعديه المقربين، وليس مع المعارضين والمعادين لسياساته، وكان علي رأسهم مستشاره السابق وذراعه الأيمن "ستيف بانون" الذي ظل علي علاقة وطيدة معه، حتي بعد أن ترك منصبه في البيت الأبيض، وذلك تطبيقا لمقولة: وشهد شاهد من أهلها.
صحيح أن "ستيف بانون" رتد بعد ذلك عن وصف لقاء نجل ترامب مع المحامية الروسية "بالخيانة للوطن"، وعاد ووصفه "بالشخص الوطني"، لكنه لم يتراجع عما قاله في الكتاب حول عدم قدرة الرئيس الأمريكي علي قراءة صفحة من الوثائق المهمة ،أو الاستماع للقضايا المعقدة، أو ينقض وصفه لترامب بالشخص العنيد الذي يعاني من صعوبات في التعلم والقراءة وفرط الحركة، وأنه يروي القصة نفسها أحيانا ثلاث مرات خلال عشر دقائق، وينعزل داخل غرفته من السادسة مساء، ويظل جالسا أمام ثلاثة أجهزة تلفزيونية، ويأكل وجبات "ماكدونالز" خوفا من أن يدس له أحد السم في الطعام، كما أن المستشار السابق لم يسحب ظنونه حول الصحة العقلية للساكن الحالي للبيت الأبيض، وشكه في أهليته للقيام بمهام منصبه في المكتب البيضاوي، وتشككه في قدرته علي إتمام فترة رئاسته!
أما المبعث الآخر الذي أعتقد أنه حقق للكتاب تلك الضجة والشهرة، فهو ردود أفعال البيت الأبيض الرسمية، والمتمثلة في البيانات الصادرة للتنديد بالكتاب ومؤلفه، والتي جاءت بنتائج عكسية، وكذا الدعاية المجانية التي قام بها "ترامب" من خلال "سلسلة تغريدات" هاجم فيها المؤلف، ومستشاره السابق "ستيف بانون"، وادعي أنه فقد عقله بعد إقالته من منصبه! ومحاولات فريقه القانوني لمنع خروج الكتاب للأسواق، وتحركاتهم ضد كل من الناشر والمؤلف والمستشار السابق للرئيس، وتهديداتهم بملاحقتهم قضائيا بتهمة التشهير!
وهذا ما جعل الكاتب "مايكل وولف" يقول في حواره مع شبكة إن بي سي: ينبغي علي إرسال صندوق من الشكولاتة لدونالد ترامب، لأن هجومه ومحاولات منعه للكتاب التي لم تحدث من أي رئيس سابق، لم تساعد فقط علي زيادة مبيعات الكتاب ولكنها أثبتت أيضا وجهة نظري.
وبعيدا عن الحالة العقلية للرئيس الأمريكي، وعدم أهليته لمهام منصبه التي وثقها الكتاب، فحينما يصف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الدول الإفريقية، وهايتي والسلفادور وغيرها "بالأوكار القذرة"، لا بد أن نشك بالفعل في قواه العقلية، ولا نملك أن نعتبره شخصا يملك ذهنية سليمة أو فكرا متزنا، حتي وإن ادعي مستشاره السياسي "ستيفن ميلر" أنه عبقري في السياسة، أو أعلن طبيب البيت الأبيض أنه لا يعاني من أي خلل إدراكي أو عقلي، ويزعم -لا فض فوه - أن لديه جينات رائعة منحه الله إياها، وسيبقي بصحة جيدة طيلة مدة ولايته الرئاسية!
أحسب أن التصريحات العنصرية البغيضة والمخزية، التي أطلقها الملياردير المتغطرس خلال اجتماعه مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، لمناقشة تشريعات خاصة بالهجرة في مكتبه البيضاوي، لا يمكن أن تصدر إلا عن شخص فاقد الأهلية والقدرة علي إدارة دويلة صغيرة، وليس رجلا يقود دولة عظمي مثل الولايات المتحدة!!