الأهرام
د . أحمد عاطف
اصنعوا إنسانا أجمل!
تولت وزارة الثقافة ببلدنا العظيم فنانة رفيعة لها سمعة عالمية، وسيدة اختصها الله بالكثير من الخصال الحسنة، وكانت أعظم مثال لمن طور نفسه بالجهد والعرق، وصقلتها الخبرات فأصبحت أيقونة مصرية تعرف كيف تنشر الخير والفن وحب الحياة. فهل تستطيع حقا أن تصنع تغييرا ايجابيا فى ثقافة الانسان المصرى وبالتالى فى شخصيته؟ أم أن المشاكل أكبر، والروافد الأخرى التى تؤثر على روح المصريين أكبر من قدرات أى شخص مهما عظمت قدرته أو تعملقت رؤيته الانسانية؟ ظنى أننا نستطيع أن نعلق على تلك الوزيرة آمالا كبيرة. وكلنا مدعوون لأن نساعدها بالأفكار النيرة، اذ ربما تلتقط إحداها لتنير بها جانبا مظلما من الصورة. الإنسان المصرى يا سيدتى ظمآن للفن والثقافة الجيدة فى كل ربوع المحروسة، من حلايب للبرلس ومن سيناء للواحات. الكثير من المجالات الأدبية والفنية فى مصر بها إنتاجا رفيعا. فن الرواية له عقدان من الزمن يوصف بزخم رائع وإنجاب متدفق لأصوات جديدة من الروائيين أصحاب تنوع رائع فى أساليبهم الفنية، حتى إننا نستطيع أن نطلق على فن الرواية الآن ديوان العصر بمصر. ولدينا مسرح مستقل ومسرح دولة لا بأس به جدا ينجب لنا تجارب جميلة أصبحت شديدة الإقبال الجماهيرى رغم عدم شهرة أبطالها وعدم وجود دعاية للعروض. الفنون الرفيعة بمصر هى كذلك فى حال جميلة. حضور الموسيقى الكلاسيكية والباليه والأوبرا بمصر حضورا بهيا، وحفلاتهم منتظمة وثرية بالقاهرة وبعض المحافظات. والنشر فى مصر رغم قلة عدد العناوين المطبوعة كل عام، إلا أننا نشاهد كتبا رائعة تصدر ما بين نشر الدولة والنشر الخاص، وما بين المترجم والمؤلف. هناك مشاكل للناشرين لابد من حلها خاصة بتكلفة الورق بعد تعويم الجنيه، ومشاكل سفر المعارض وغيرها. المشكلة تكمن فى وصول الفن الجيد للجمهور العريض. حسنا فعلت وزيرة الثقافة الجديدة د.إيناس عبد الدايم عندما أعلنت فى أول حوار لها أنها معنية بهئية قصور الثقافة وبمشروع تطويرها. رغم كل جهد الدولة فى انشاء العديد من تلك القصور ورغم جهد رؤساء الهيئة المتعاقبين، يظل ارتياد قصور الثقافة قليل بالمقارنة بأى مكان آخر وبرامجها ضعيفة. لابد أن تبحث الوزيرة عن أفكار براقة تجعل مبنى قصر الثقافة أو قصر الابداع جاذبا أكثر. فى بلاد عظيمة مثل فرنسا يضعون أفيشات ضخمة على المتاحف أو أضواء متحركة وملونة أو حتى موسيقى صوتها عال لجذب الأنظار. مصر لديها فنون وكتب رائعة، لابد من جهد لجعلها جماهيرية والسر فى البرمجة المتجددة والتسويق. البروشور المطبوع انتهى عصره يا سيدتى. لابد من وجود إدارة متخصصة بالوزارة لعمل برنامج ثقافى مجمع على الفيس بوك وتويتر وانستجرام. لابد من فكر تسويقى لبيع تذاكر مخفضة للشركات والمؤسسات لتشجيع التردد على هذه الأماكن. لقد نجحت الوزيرة أن تجعل دار الأوبرا مكانا يمتلئ بالجمهور طيلة الوقت، الآن لابد أن تنقل التجربة لأماكن أخرى. لابد من تسهيل حجز عروض الوزارة على الانترنت. لابد من تصميمات رائعة لعروض الوزارة، ووضعها فى أماكن مميزة خارج مبانى الوزارة وليس فقط على أبواب المسارح. لابد من الاقتداء بالعالم فى تحويل المناسبات الثقافية الى حدث قومى يتكلم عنه المجتمع. لابد من عمل اتفاقات خاصة مع قنوات التلفزيون ومؤسسات عامة وخاصة لنقل حفلات الوزارة، ليس فقط مع التلفزيون المصرى، وليس فقط مع مهرجانات السينما. التفكير التقليدى لم يعد يثمر، حتى شكل المناسبات الفنية لابد أن يتغير. ربما ينتقل لأماكن أكثر ازدحاما بالبشر. والهدف يا سيدتى أن نبحث جميعا عن إتاحة الفرصة لبنى وطننا لكى يصبحوا أجمل وأكثر تنويرا. المصريون لديهم طابع خاص جدا كمنتجين للفنون وكمتلقين لها. فى حضاراتنا الأولى، رسمنا على الحوائط وأظهرت الرسوم أن المصريون القدماء طوروا النحت، ورقصوا وعزفوا الألحان وقدموا المسرحيات وكتبوا قطعا أدبية رائعة. نحن الأوائل فى الفنون. وتشى متاحفنا وكذلك المتاحف الكبرى بالعالم، أننا صنعنا تطويرا هائلا وابتكارات لا تنتهى فى كل الفنون. حتى جاء القرن العشرين بوسائل إعلامه، والتكنولوجيا بروافدها، فبلورت تميزنا ووضعتنا فى مكانتنا المميزة كرواد ومجددين وأصحاب مواهب لا تنضب قادرة على التأثير فى الملايين مهما كانت الحروب والأموال التى تريد انتزاع هذا الدور منا. وكذلك جمهورنا فهو يعشق الفنون بدءا من أطفال القرية الملتفين حول الأراجوز وكبار السن المستمعين لراوى السيرة الهلالية حتى جمهور الأوبرا. نحن هكذا كمصريين نعشق الفن. لابد أن تستغلى هذا وتعيدى الناس إلى الثقافة التى يستحقونها. اجذبيهم بكل الطرق ولا تجعليهم أسرى لتجار الفن وأغانى المهرجانات والأفلام الهزلية السطحية. وفرصتك ذهبية لو استغليتى التكنولوجيا، فهل تفعلين؟

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف