المساء
محى السمرى
السياحة والخبيرة الاقتصادية!!
في الأربعينيات من القرن الماضي.. انشأت سيدة مصرية ذات ثقافة عالية هي الدكتورة درية شفيق وهي أيضا احدي رائدات الحركة النسائية التي ظهرت في ذلك الوقت جمعية تسمي "بنت النيل".. ولم تكن هذه الجمعية تهدف في الواقع إلي تعيين المرأة.. وزيرة.. ولكن كان كل هدفها هو ان تحصل المرأة علي حقوقها الدستورية في التعليم والخدمات التي تؤدي للرجل بما في ذلك نشر الخدمات الثقافية والصحية والاجتماعية والرعاية للمرأة الفقيرة والمحرومة.. ثم تطورت الأهداف واصبحت الجمعية تنادي بحق المرأة في ان تصبح نائبة في البرلمان.
كانت هذه الطلبات تلقي اهتماما من أبناء الشعب كذلك كثيرا ما سخر البعض وتهكم علي هذه الطلبات لدرجة ان احدي المجلات الأسبوعية وهي "الاثنين" التي كانت تصدر عن دار الهلال.. اخترعت تشكيلا وزاريا جعلت كل الوزراء فيه من النساء.. وعينت المجلة بعض عضوات اتحاد بنت النيل وزيرات في هذه الوزارة النسائية.
وطبعا قوبل ما نشرته مجلة الاثنين بتهكم وسخرية بل واطلاق النكت الضاحكة علي ذلك والأمر المؤكد ان الدكتورة درية شفيق لم تكن تتوقع ان تدخل الوزارة يوما ما ست وزيرات مرة واحدة وكل منهن تتولي حقيبة وزارية مهمة.. وذلك بعد مرور 70 عاما تقريبا علي هذه "التريقة" من مجلة الاثنين.
والحقيقة ان كل وزيرة من الوزيرات حاليا تتمتع بقدر عال من الثقافة والمعرفة ويبدو من خلال البطاقة الشخصية لكل منهن انهن يجدن فن الادارة واتخاذ القرار.
ولأنني من المهتمين بالشئون السياحية حيث مارست العمل الصحفي في مجال السياحة علي مدي سنوات طويلة فقد توقفت عندما قرأت بطاقة الدكتورة رانيا المشاط وزيرة السياحة فقد ذكرتني بالاقتصادي الكبير فؤاد سلطان عندما تولي وزارة السياحة والطيران المدني في سنة 1985 وكان وقتها رئيسا لأحد البنوك التجارية.. ان اعلن صراحة.. انه لا علاقة له بالسياحة فهو رجل مصرفي عمله كله كان منصبا علي الاقتصاد والمال.. أما السياحة فلها ناسها.. واضاف قائلا: أن مهمتي ان اجهز البلاد لتكون مقاصد سياحية.. لأن وجود مقصد سياحي جيد هو السبيل الوحيد لحضور السياح.. والمفروض في الترويج السياحي.. تسليط الأضواء علي المقاصد السياحية.. من هنا انصب اهتمام الوزير علي تحويل شواطيء مصر الشرقية.. أي في البحر الأحمر وخليج العقبة علي مناطق سياحة ترفيهية.. واقبل المستثمرون علي شراء الأراضي وحولوها إلي جنات خضراء وكرجل اقتصادي.. فكر في أسلوب الترغيب فكان يبيع المتر بدولار واحد علي أساس ان المستثمر لن يستفيد إلا بمساحة ضئيلة من الأرض التي اشتراها حيث سيتم انشاء حدائق وشق طرق.. أما مباني القرية السياحية ذاتها فهي لا تزيد علي 10% من مساحة الأرض التي اشتراها المستثمر وهنا تحولت هذه الشواطيء إلي جنات.
وطبعا الذين يجهلون هذه الحقائق قالوا عندما قامت حركة 25 يناير 2011 كيف يباع المتر بدولار واحد في سواحل البحر الأحمر في حين ان قيمته تصل إلي آلاف الجنيهات.. طبعا لم يدرك هؤلاء فلسفة فؤاد سلطان الذي جعل المستثمر نفسه هو الذي فرض كل هذا الجمال ورفع القيمة نتيجة جهده في استثمار ما اشتراه من أرض وتركه لمساحات شاسعة كمرافق.
بصراحة كان هذا هو الفرق بين الرجل الاقتصادي وبين غيره من الوزراء الذين تولوا حقيبة وزارة السياحة.. الأول حول البلاد إلي عدة مقاصد سياحية بعد ان كانت السياحة قاصرة علي الأقصر واسوان أما وزراء السياحة الآخرين فقد اهتموا بعمليات الدعاية أكثر من اهتمامهم بالمنتج الاصلي ولهذا كانت حركة السياحة تتأرجح.. والاستثمارات تراجعت خصوصا بعد 25 يناير 2011.
ولهذا فإن اسناد وزارة السياحة إلي خبيرة اقتصادية أمر يدعو إلي التفاؤل.. ويزيد من هذا التفاؤل ان الدكتورة رانيا المشاط بدأت نشاطها باجتماع مع بعض المستثمرين.. أي ان اتجاهها في تنمية الحركة السياحية بدأ اقتصاديا وذلك من خلال الاعداد السياحي للمناطق السياحية والتخلص من المشاكل التي تعوق الاستثمار وتعود التنمية السياحية وبذلك يمكن حل أي مشكلة من مشاكل السياحة والحقيقة اعتقد ان الدكتورة رانيا يمكن ان تجعل السياحة تساهم بكثافة في زيادة النقد الأجنبي خصوصا وانها كانت خبيرة في البنك المركزي وصندوق النقد الدولي.
صحيح ان أمام الوزيرة عدة تحديات والمفروض ان تتدخل فيها.. أو تأخد فيها قرارات حاسمة.. فمثلا تشكو شركات السياحة من تأخر صدور القرار الخاص ببدء رحلات العمرة.. فقد كانت هناك رحلات في مولد النبي عليه الصلاة والسلام وهناك رحلات أخري لتقوم في شهور رجب وشعبان ورمضان.. وبالتأكيد فإن تأخر صدور القرار له سبب وطبعا الوزيرة ستحل هذه المشكلة وليتها تضع الضوابط بحيث يسمح بالسفر لأداء العمرة كل مدة زمنية معينة وليس عمال علي بطال.
كذلك هناك ملف شائك يتعلق بتوقف أو بتقليل حجم عدد السياح القادمين من أوروبا.. وهي في حاجة إلي معالجة.. وكذلك التدريب المستمر للعاملين في المجالات السياحية والفندقية والسائقين علي الحافلات السياحية واذكر ان الوزير الأسبق زهير جرانه كان قد اهتم بتدريب السائقين وافتتح لذلك مركز تدريب علي أعلي مستوي في مدينة 15 مايو ولا أدري ان كان هذا المركز مازال يعمل أو توقف أو اصابه الركود والفتور.
بالتأكيد فإن حال السياحة سينصلح مع تولي الخبيرة الاقتصادية الدكتورة رانيا المشاط مسئولية السياحة.. وارجو من الوزيرة ان تجعل الدعاية والترويج السياحي في المرتبة الثالثة ولا تجعل لها أهمية كبري كما كان بعض الوزراء السابقين يهتمون بالدعاية وحضور المعارض والمؤتمرات اكثر من اهتمامهم باعداد المقاصد السياحية الاعداد الجيد والتخلص من المشاكل التي يعاني منها السياح.. الأمل كل الأمل.. ان تنهض صناعة السياحة علي يد الوزيرة الخبيرة الاقتصادية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف