الوطن
ريهام فؤاد الحداد
مؤازرة
من خلال تجربة صحفية مميزة تتعامل مع مشاكل وهموم القرّاء تولدت لدىّ أفكار وقناعات أراها مهمة وملهمة، فبالتوازى مع قراءتى لتلك المشاكل ومحاولة إيجاد حلول لها، كان لدىّ مشاكلى الخاصة التى كنت أتناساها بالغوص فى مشاكل الآخرين، لأتعلم وأستفيد وليثبت برأسى باليقين أن مشاكلى إذا ما قورنت بغيرها كانت لا شىء يذكر وبنفس مبدأ المقارنة فكثير من الأحيان رأيت أن ما تحملته قد يلخص مشاكل عشرات الشاكين، استماعنا لبعضنا دوماً مفيد (لجميع البشر مشاكل وآلام وعذابات وصعاب).

أثناء قراءتى للرسائل كنت أتحفز وأتحمس وأبكى وأضحك وأقلق، جربت جميع المشاعر الإنسانية مع القرّاء وتفاعلت معها، كانت إجاباتى بين النصح والتعنيف وتطييب الخاطر والتخطيط المنطقى البعيد عن إرباك المشاكل، الذى يتعرض له من يكون فريسة مباشرة للهموم فلا يرى المَخرج المناسب ولو كان واضحاً جلياً أمام عينيه.

هذه التجربة الإنسانية الضخمة أعطتنى زخماً وثراء إنسانياً كبيراً لكنها أخذت من روحى طاقات كثيرة، ما بها من وجع ومعاناة زادنى شقاء، ذاك الشقاء كان يزول ويبدد بتعليقات القرّاء والشعور الطيب الذى تتركه مساعدة الآخرين، فأنت عندما تمد يدك لأخيك الإنسان، أنت بالحقيقة تساعد نفسك قبل أن تساعده، ذاك الرضا عن الذات والاطمئنان لطمأنتك الآخرين شعور غنى ومُرضٍ جداً، ذلك أن التواصل الإنسانى نعمة كبرى والإحساس بالآخر نعمة أخرى لا ينعم بها إلا من تمتع بحب العطاء ورفع الأذى عن الناس ودفع البلاء.

يألم الجسد أحياناً ويتعب وتتعطل وظائفه، أما وهن الروح وضعفها وموت النفس هو الأصعب دوماً، والدليل أننا نسمع عن أمراض مستعصية ومميتة ينجو منها المصابون بها لقوة إرادتهم وبأس عزيمتهم، ونسمع أيضاً عن أصحاء وصغار بالسن تغتالهم الهموم وأوجاع النفوس ليموتوا قهراً وحزناً وألماً وقلقاً. فى اعتقادى أن ألم النفس يفوق ألم الجسد، عافانا الله من جميع الآلام.

كلنا يحتاج للآخر، هكذا خُلِقنا نكمل بَعضُنَا بعضاً ونسهل حياة بَعضنا البعض، لتهون المشاكل وتمر الأيام بسلام، حياة البشر قاسية والدنيا جميعنا نشقى بها لكن بصور وأساليب وطرق وقصص مختلفة. كلنا يحتاج تلك المؤازرة والنجدة النفسية، وإلا انفجرنا غضباً واحتقَنّا تفكيراً وانزعجنا حيرةً.

لا نحتاج دائماً لصفحات ورقية أو إلكترونية كى نتواصل، ونتعاضد ويساعد بَعضُنَا بعضاً، كل ما نحتاجه هو الشعور بالرغبة فى المساعدة والدعم والنجدة، والمحرك فى هذه المشاعر جميعاً هو الرحمة والشعور بالآخر ووضع الذات مكانه.

إن مثالية التواصل والتآخى والمساندة تصطدم دوماً بأنانية البخل واللامروءة والتخلى عمّن يحتاجون إلينا.

فكما أن هناك بشراً يديرون أظهرهم لمن يحتاجون إليهم ولو بالدعم النفسى، فهناك أيضاً من يقتله شعور العجز عن مساعدة الآخر، (فمع حبه للعطاء هو غير قادر عليه أو ما يستطيعه أقل بكثير مما يتمنى تقديمه) كلا الصنفين موجود ونلمسه بحياتنا يومياً، وتبقى الرحمة والمؤازرة من أكرم مناهج التعاملات الإنسانية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف