الربيع العربي هب علي المنطقة كفوهة جهنم، فدمر دولاً وفكك جيوشاً وشرد شعوباً، وجعل الميادين ساحات للاقتتال، وأطلق جماعات القتل والموت والدمار، لتترك أوطانها أنقاضا وخرابا.. أما الربيع المصري فقد حافظ علي الدولة وحمي الشعب وضاعف القدرات القتالية للجيش، ومهد الطريق نحو بناء الدولة الحديثة.. الربيع العربي هب من الغرب، والربيع المصري جاء من الشرق.
ديمقراطية الربيع العربي لن تتحقق - كما قال صانعوها - إلا بعد اقتتال داخلي وحروب دينية لمدة ثلاثين عاماً، مثلما حدث في أوربا في القرن السابع عشر، وأدي إلي فناء ثلث سكان بعض الدول، وبعدها يجلس المنهزمون علي موائد التفاوض، لاختيار النموذج الديمقراطي، علي قاعدة لا منتصر والكل مهزوم، فيقبلون رغم أنفهم الشروط والإملاءات.
الربيع المصري يمهد البلاد لانتخابات رئاسية هي الثانية، بعد سبع سنوات شهدت ثورتين، وقبلها إصدار دستور محترم وتأسيس برلمان في انتخابات حرة ونزيهة.. أما الربيع العربي فقد هرس الدول بحوافره الشرسة، وأمامها سنوات لا يعلمها إلا الله حتي تسترد عافيتها، وتبدأ مسيرة الديمقراطية الجريحة.
الربيع العربي من فعل الشيطان الذي جاء من الغرب بحثاً عن شياطين الشرق، الذين هم أصلاً من صناعته، فاتحدت إرادة الطرفين علي إشعال صراع ديني دموي.. ولا يعلم الغرب أن صراع الأديان في الشرق ليس كما في بلادهم، وتتعمق جراحه بمرور الزمن ولا تتداوي، ولعل إراقة الدماء لم تتوقف لحظة واحدة، منذ أن شج السفاح »ابن ملجم» رأس الإمام علي في صلاة الفجر، ومازالت دماء الإمام تسيل، في مستنقعات الثأر الديني حتي الآن.
الربيع المصري انطلقت نسائمه في 30 يونيو، يوم خرج الشعب المصري عن بكرة أبيه، ينقذ بلاده من بين أنياب الشيطان، واستجابت السماء لدموع الخائفين علي بلدهم، وكانت إرادة الله فوق أيدي كل من أضمر لمصر شراً.. ولكن لاتزال الكهوف مليئة بالشياطين، والعقول مفخخة بأفكار إرهابية، أخطر من الديناميت والمتفجرات.
ديمقراطية الربيع المصري، تنبع من ثقافة المصريين وحضارتهم ووعيهم ومكوناتهم الفكرية وعقيدتهم الدينية، وتترجم المخزون الاستراتيجي للمجتمع، في صياغة نظام حكم يلبي سلمية انتقال السلطة، ويحقق رضاء عموم المصريين، ويجب أن يفهم الغرب أن الديمقراطية ليست ساندويتش هامبرجر وزجاجة بيبسي، يريدون كل الشعوب تناولها، واستساغة مذاقها.
مصر الآن تحت الأضواء الكاشفة، الكل ينتظر ويترقب شكل الانتخابات الرئاسية، والمتربصون يحلمون بإثارة زوابع الفشل والتشكيك، أملاً في بث نفخة جديدة في جثمان الربيع الشيطاني، الذي صار عدواً للشعوب الذبيحة، وتتمني أن يأتي يوم تتخلص فيه من بقاياه.
مصر النموذج ونجاحها يعني فتح شهية الشعوب علي تذوق التجربة المصرية، تجربة شعب يلتف حول دولته ويختار طريقها في السنوات القادمة، وكلما رفعت مصر رأسها، تنتكس كثير من الرءوس.