د . سعيد اللاوندى
هل اعتنق جاك بيرك الإسلام قبل رحيله؟
يُطلقون عليه فى الفكر الفرنسى شيخ المستشرقين لأنه كان طاعناً فى السن (65 أو يزيد) أمضى من حياته أكثر من خمسين عاماً مهتماً بالفكر الإسلامى ووضع عدداً من المؤلفات أبرزها كتاب «حديث الضفتين» الذى كان يرجح فيه فلسفة البحر المتوسط ويرى أنها صمام أمان العالم، ويقال إن طه حسين - عميد الأدب العربى - كان من المشيعين له وكان ينتصر لثقافة البحر المتوسط.
رحل الرجل عن عالمنا فى منتصف تسعينات القرن الماضى وكان مزواجاً، لعل آخر زوجة هى الأميرة الإيطالية التى اقترن بها وكانت تحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب من كثرة ما كتبت آياته على الآلة الكاتبة.
ويتردد الآن فى فرنسا أنه ائتمنها على مجموعة من الأوراق وطلب إليها ألا تفتحها إلا بعد مرور خمسين عاماً ويقال إنه كتب فى هذه الأوراق أنه قد اعتنق الدين الإسلامى لكن لم يشأ أن يعلن ذلك فى حياته، ورأى أن يأتى جيل جديد فى العالمين الفرنسى والإسلامى ليتعامل مع هذا الاعتراف بأسلوب آخر غير ذلك الذى عرفه طوال حياته.
والحق أن جاك بيرك - وهذا هو اسمه - الذى وُلد فى الجزائر لأب فرنسى وأم فرنسية انشغل بالثقافة الإسلامية ردحاً من الزمن، لم يعتنق الإسلام على نحو ما يتم ترويجه الآن فى فرنسا، فالرجل كان شديد التدين ولكن على طريقة الكاثوليك، وقال لمحدثيه بالحرف الواحد إن سر احترامه لكاثوليكيته هو احترامه للدين الإسلامى، لكنه كان يرى أن الإسلام يتعرض لحرب ضروس من الولايات المتحدة والغرب.
مرة أخرى إن تعاطف شيخ المستشرقين الفرنسيين ليس مبرراً ولا مسوغاً لكى نعتبره اعتنق الإسلام كما يتردد الآن.
ولا شك أن الرجل كان عاشقاً للثقافة العربية، وقد ترجم معانى القرآن الكريم وباع منها أربعة آلاف نسخة فى الجزائر، وكان يتمنى أن يكتب شيخ الأزهر مقدمة هذه الترجمة التى سلخ من عمره نحو عشرين عاماً لكى يتم إنجازها، وللأسف استجاب لطلبه الجزائريون وأبناء جامعة السنغال ومسجد مارسيليا، أما الأزهر الشريف فقد نأى بنفسه عن هذه الترجمة التى تُعتبر فتحاً جديداً فى دنيا الترجمات، لأن جاك بيرك فضل أن يضع المقدمة تذييلاً وكانت حجته أن كلام الله لا يجب أن يكون مسبوقاً بكلام بشر.
وأذكر أن الناقد سامى خشبة كلفنى ذات يوم بأن أدعوه للمشاركة فى ندوة عن الإمام محمد عبده، فرفض الرجل بعد تردد، ووجه تحية للقائمين على المناسبة لكنه رفض المشاركة خشية أن يتعرض له البعض ممن يتاجرون باسم الإسلام.