محمد عادل العجمى
محنة الكاتب فى العالم العربى
الكتابة لُغم. وجع. مُغامرة فى بلادنا العربية من المحيط إلى الخليج، وقدر الكاتب العربى أن يتألم وينزعج ويقلق ويموت إن قبل إملاءات ضميره الحقيقية. الكاتب مُتهم دائماً إما عميلاً لجهات مُعادية أو طبالاً لحاكم مستبد، وفى كُل الحالات هو شيطان رجيم، مرفوض رأيه ومطلوب إسكاته.
الكاتب فى بلادنا مُقيد التفكير، مُحدد الخطوات، ممنوع من الدخول فى موضوعات بعينها إما لاعتبارات السياسة، أو إرضاء للمولين أو خضوعاً لتوجيهات الأجهزة الأمنية، أو تجنباً للخروج عن ثقافة القطيع. الكاتب العربى يكتب بخوف بتوجس، بتردد، بقلق، بحذر، تتحرك عيناه على الورق ليرى ظلال سيوف ورماح ومسدسات خلف رأسه، ترتعش أنامله ويُفكر فى كل حرف ألف مرة خوفاً وقلقاً وإيثاراً للسلامة.
يكتب مايكل ولف كتاباً عن الحياة الخاصة لترامب، فيصدر ويباع فى كل المكتبات ويُعرض فى كافة دول العالم، وتتعاقد شركات كبرى مع المؤلف لتحويله إلى مسلسل تليفزيونى.
يُبدع الروائى أى إيل جيمس رواية يُسميها «خمسون درجة من الرمادى» فتحقق مبيعات ضخمة يحصل منها على 75 مليون جنيه استرلينى كحقه كمؤلف. أما جى كى رولنغ مؤلفة روايات «هارى بوتر» فتصنع ثروة قدرها 580 مليون جنيه استرلينى من كتابة سلسلة الروايات الخيالية.
فى بلادنا لا أمان ولا ثروة ولا راحة بال. الكُتاب مُعذبون، مطاردون، مُتهمون دائماً أبداً. فى السياسة أو الأدب أو غيرهما لا هناء أو رخاء. يكتب الكُتاب كثيراً ولا يربحون. يكتبون ربما أكثر إبهاراً لكن دون عائد. يكتبون بأعصابهم بعرقهم بدمائهم وقائع أكثر إدهاشاً لكنهم يبقون فقراء.
عرفت مكاوى سعيد فى أواخر حياته، بسيطاً، فقيراً، راضياً بجلسات المقاهى الشعبية والأصحاب الطيبين. تابعت سيرة عبدالحكيم قاسم الموجعة محاصراً بين الفقر والقهر السلطوى. قرأت نهاية أمل دُنقل على سرير صغير فى غُرفة ضيقة بمعهد الأورام لا يجد ثمن العلاج. سمعت حكايات تسول الشاعر الفذ نجيب سرور فى شوارع وسط البلد بعد أن فقد عمله ودخله وأصدقاءه.
فى العالم العربى قصص مفزعة لكُتاب دفعوا أرواحهم ثمناً لحروف خطتها أصابعهم. خُطف سليم اللوزى فى فبراير 1980 وُعذب لعدة ساعات وقُطعت يده التى يكتب بها قبل أن يطلق عليه الخاطفون المجهولون الرصاص. شُنق الكاتب السودانى محمود محمد طه فى يناير سنة 1985 لأنه كتب كُتباً حول تجديد الفكر الإسلامى. فى يوليو 1992 انتظر شابان الكاتب فرج فودة أمام منزله بالقاهرة وأمطروه بالرصاص ليصمت إلى الأبد. فى ديسمبر سنة 1993 وجد الشاعر الجزائرى يوسف سبتى مشنوقاً بين كُتبه ولم يعرف أحد مَن قتله، لأن كتاباته لم تكن تعجب السُلطة ولا الإسلاميين. فى يناير سنة 2005 تناثر جسد الكاتب الصحفى اللبنانى سمير قصير إلى أشلاء بعد تفجير دام لسيارته بسبب كتاباته المقلقة لأجهزة الأمن السورية.
الكتابة لدى العالم المتحضر سلالم نحو القمر، ولدينا أوراق اعتماد لدى المقصلة.
والله أعلم.