أسامة سرايا
حكاية وطن.. وجمهورية عظيمة
فى يناير 2018 سجلت مصر صورة جديدة لمعنى الوطن، وشكل وتطور الجمهورية المصرية التى أعلنت فى الخمسينيات من القرن الماضى. عندما أعلنت الإدارة السياسية الحالية كشف حساب بأعمالها على الأرض، وقدرتها الفائقة على استيعاب الأخطاء والكوارث التى ألمت بالوطن عقب انتفاضات شعبية، سميت الثورات بعد 2011، ونتائجها الكارثية على حال الناس وأوضاع المؤسسات، وتمثلت فى ضياع الاقتصاد، وتفشى الإرهاب، وتفاقم الصراع على سلطة ووطن وشعب، كان قد وضع ثقته فى الدولة ومؤسساتها لتحميه من الأطماع الخارجية ومن العصابات الداخلية، ومن كل أشكال التهديد والخروج على القانون، وكانت النتيجة أن وجد الشعب، المغلوب على أمره، أن مقاليد الأمور فى البرلمان والحكومة، ثم الرئاسة سقطت فجأة فى يد جماعة دينية متطرفة، تستخدم العنف والإرهاب عبر كل تاريخها، وظلت لسنوات طويلة تواجه الدولة، وتعمل ضد رموز الجمهورية، ثم عشنا مسلسل السقوط، وجاءت حكومة ما بعد الانتفاضة، ثم الانتخابات لنعانى مزيدا من السقوط الوطنى، وتحكما من الجماعة الإرهابية فى مقاليد الأمور للانتقام من الشعب. وظهر جلياً أنهم يهدفون ليس للسيطرة على الحكومة أو النظام سياسيا فقط، ولكنهم كانوا يريدون تغيير هوية المجتمع وتغييرا فى مؤسسات الدولة وعقيدة الجيش. وتحركوا بالفعل وأعطوا الإشارة ببناء قوة موازية من الميليشيات، كحرس ثورى على غرار إيران، لها حق استخدام السلاح، وهذا يعنى أن مصر الدولة التى ظهرت فى الخمسينيات لكل الناس بكل أديانها ستتغير، وتذهب إلى حرب أهلية، ووجدنا الدولة التى واجهت الإمبراطوريات الاستعمارية الكبرى فى عصرها وأسقطتها، حتى يحكمها أبناؤها، تتحول لتصبح مرتعا لكل عابر سبيل، وكل أجهزة مخابرات العالم، ووجدنا العالم يتدخل فى شئونها الداخلية، ورأينا ميليشيات، وجماعات دينية فلسطينية، سواء فى غزة أو فى قطر، وسمعنا عن حماس الداخل والخارج، حتى الأتراك عادوا، وهم الذين خرجوا من المنطقة قبل أكثر من 100 عام، وأصبح السلطان أردوغان مرجعية لحكام الجماعة فى مصر، أما إيران فوصلت إلى الأزهر، ورئيسها أحمدى نجاد كان يرفع علامة النصر لأعدائه، وأنا لا أعرف من هم أعداؤه غير العرب؟
إن كل مصرى شعر بحالة من المهانة الكبرى، وشعر بها كل من انتمى إلى جمهوريات مصر، من محمد نجيب إلى ناصر إلى السادات إلى مبارك. كانت مصر التى نعرفها، وجمهوريتنا العظيمة التى تربينا عليها، قد زالت، ودخلنا عصراً تنافست فيه مع دول تعيش فى القرون الوسطى، فقد استخدموا الدين الإسلامى الحنيف تجارة وسلطة ونفوذا، فأخافوا كل المصريين، والعارفين بقدر البلاد، إلى أن تحركت مصر التى نعرفها، وقامت بثورة أو انتفاضة سمها ما شئت، وتدخلت الدولة التى عشنا فى ظلها، وتحتمى بسلاح جيشها العظيم، وتحرك قائد من أهلها، وصنع مكرمة للمصريين بإزاحة هذا الكابوس، وعادت مصر إلى طريقها الذى نعرفه ونثق فيه، وهذه مكرمة والله لا تنسى ولا تضيع لقائد بلادى وجيش بلادى، فما بالكم، وقد قدم لنا كشفا بأعمال وبناء لا يتوقف وبمعدلات قياسية، من الطرق، والأنفاق، والمشروعات، وكلها على أرض بلادى، وبأيدى المصريين، فهل بعد ذلك نريد كشفا للحساب، أو نفكر فى الاختيار؟
علينا أن نحمى الجمهورية، ونحمى الوطن، تذكرت كل ذلك، وأنا أتابع المؤتمر الذى نظمته مصر منذ أيام، ولعلى أتذكر كذلك أن هذا الوطن الذى احتفل بمئوية ناصر، مؤسس الجمهورية، وهو الرجل نفسه الذى أنقذ مصر مبكراً جداً من السقوط فى أيدى هذه الجماعات، عندما سيطرت على مقاليد الأمور منذ حريق القاهرة، وحتى قيام ثورة يوليو، وأفرغت الدولة المَلَكَيّة، والأحزاب السياسية من كل قواها، تمهيداً للوثوب على السلطة، حتى تقوم دولة دينية، فكان ناصر وجمهوريته هو الإنقاذ، واستمرت الجمهورية، تبنى وتستمر، وعندما واجهت الهزيمة صحح السادات المسار، وبنى مصر هو وخليفته بقدر الطاقة، فالحروب علينا لم تتوقف. واليوم علينا أن نستمر فى تدعيم الوطن والجمهورية، بوقف الحروب التى تشنها الجماعات المتطرفة فى الداخل والخارج، سواء بالإرهاب أو الإعلام على عقل المواطن البسيط، وهو الذى يريد أن يعيش، ويطمئن على مستقبل وطنه وأبنائه.
هذه الجمهورية العظيمة تصالحت مع نفسها، عندما أطلقت اسم محمد نجيب أول رئيس لها على أكبر قاعدة عسكرية، ثم احتفلت بمئوية مؤسسها ناصر، وتحتفى يومياً بقادة وجنود نصر أكتوبر فى جمهورية السادات، وتتطلع لاكتمال المصالحة مع كل أطراف الجمهورية العظيمة، وهى لا تنسى أحد قادتها فى أكتوبر، ورئيسها الرابع حسنى مبارك. فالدولة المصرية عظيمة فى عصريها الملكى والجمهورى، ومصالحة تاريخها قضية جوهرية، فالأسرة المالكة، رغم أن مؤسسيها من أسرة محمد على باشا وابنه وإبراهيم جاءوا من خارج البلاد، فإنهم صاروا مصريين، وأسهموا فى بناء مؤسساتها السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية، واندمجوا فى الوطن.
كان مؤتمر (حكاية وطن) يناير 2018 فرصة عظيمة لكل مصرى ومصرية ليقرأوا ملحمة البناء، ويدركوا الإصرار على التطور، وإنشاء بنية اقتصادية قوية فى ظل حرب ضروس للإرهاب والتطرف الدينى، وفى ظل قوى خارجية وإقليمية، تتربص بالوطن لافتراسه وتحويله إلى مجتمع تابع فى ظل صراع إقليمى محتدم، حتى وصل الصراع على النيل، شريان الحياة، ونحن نعرف أن هناك معركة كبرى، دبلوماسية وسياسية، وبناء مؤسسيا قويا يحمى الوطن والنيل، ولكن اقتراب المصريين من بعضهم البعض، والتلاحم مع القيادة، سيكون رسالة لحماية الوطن وسيادته على ترابه، حتى نبنى مصر القوية الحديثة.